للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المرادَ بالمفاعلة التَّهيُّؤُ لها؛ يعني: إن تهيَّأ أحدٌ لمقاتلته أو مشاتمته (فَلْيَقُلْ) له بلسانه-كما رجَّحه النَّوويُّ في «الأذكار» - أو بقلبه -كما جزم به المتولِّي ونقله الرَّافعيُّ عن الأئمَّة-: (إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ) فإنَّه إذا قال ذلك أمكن أن يكفَّ عنه، وإلَّا دفعه بالأخفِّ فالأخفِّ، والظَّاهر -كما قاله في «المصابيح» - أنَّ هذا القول علَّةٌ لتأكيد المنع، فكأنَّه يقول لخصمه: إنِّي صائمٌ تحذيرًا وتهديدًا بالوعيد المُوجَّه على من انتهك حرمة الصَّائم، وتذرَّع (١) إلى تنقيص أجره بإيقاعه بالمشاتمة، أو يذكِّر نفسه شديد المنع المُعلَّل بالصَّوم، ويكون من إطلاق القول على الكلام النَّفسيِّ، وظاهر كون الصَّوم جُنَّةً أن يقي صاحبه من أن يؤذي كما يقيه أن يُؤذَى.

(وَ) الله (الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ) بضمِّ المعجمة واللَّام على الصَّحيح المشهور، وضبطه بعضهم بفتح الخاء، وخطَّأه الخطَّابيُّ، وقال في «المجموع»: إنَّه لا يجوز؛ أي (٢): تغيُّر رائحة فم الصَّائم لخلاء معدته من الطَّعام (أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى (٣) مِنْ رِيحِ المِسْكِ) وفي لفظٍ لـ «مسلم» والنَّسائيِّ: «أطيب عند الله يوم القيامة»، وقد وقع خلافٌ (٤) بين ابن الصَّلاح وابن عبد السَّلام في أنَّ طيب رائحة الخلوف هل هو في الدُّنيا والآخرة أو في الآخرة فقط؟ فذهب ابن عبد السَّلام إلى أنَّه في الآخرة، واستدلَّ برواية مسلمٍ والنَّسائيِّ هذه، وروى أبو الشَّيخ بإسنادٍ فيه ضعفٌ عن أنسٍ مرفوعًا: «يخرج الصَّائمون من قبورهم يُعْرَفُون بريح (٥) أفواههم، أفواههم (٦) أطيب عند الله من ريح المسك»، وذهب ابن الصَّلاح إلى أنَّ ذلك في الدُّنيا، واستدلَّ بحديث جابرٍ مرفوعًا: «وأمَّا الثَّانية: فإنَّ خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك»، واستُشكِل هذا من جهة أنَّ الله تعالى مُنزَّهٌ عن استطابة الرَّوائح الطَّيِّبة واستقذار الرَّوائح الخبيثة؛


(١) في (د): «وتصدَّر».
(٢) في (ص): «أن»، وهو تحريفٌ.
(٣) «تعالى»: ليس في (د) و (س).
(٤) في (د): «الخلاف».
(٥) في (د): «بطيب».
(٦) «أفواههم»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>