للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ) يحتمل أن يكون الفتح على ظاهره وحقيقته، وقال التُّورِبشتيُّ: هو كنايةٌ عن تنزيل الرَّحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد، تارةً ببذل التَّوفيق، وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنَّم عبارةٌ عن تنزُّه أنفس الصُّوَّام عن رجس الفواحش، والتَّخلُّص من البواعث على المعاصي بقمع الشَّهوات، فإن قيل: ما منعكم أن تحملوه على ظاهر المعنى؟ قلنا: لأنَّه ذُكِر على سبيل المنِّ على الصُّوَّام وإتمام النِّعمة عليهم فيما أُمِروا به ونُدِبوا إليه، حتَّى صارت الجنان في هذا الشَّهر كأنَّ أبوابها فُتِّحت، ونعيمها هُيِّئ، والنِّيران كأنَّ أبوابها غُلِّقت (١)، وأنكالها عُطِّلت، وإذا ذهبنا إلى الظَّاهر لم تقع المنَّة موقعها وتخلو عن الفائدة لأنَّ الإنسان ما دام في هذه الدَّار فإنَّه غير مُيسَّرٍ لدخول إحدى الدَّارين، ورجَّح القرطبيُّ حمله على ظاهره؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللَّفظ عن ظاهره. قال الطِّيبيُ: فائدة فتح أبواب السَّماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصَّائمين، وأنَّه من الله بمنزلةٍ عظيمةٍ، ويؤيِّده حديث ابن (٢) عمر: «إنَّ الجنَّة لَتُزخرَف لرمضان … » الحديث.

(وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) أي: شُدَّت بالسَّلاسل حقيقةً، والمراد: مسترقو (٣) السَّمع منهم (٤)، وإنَّ تسلسلهم يقع في أيَّام (٥) رمضان دون لياليه لأنَّهم كانوا مُنِعوا زمن نزول القرآن من استراق السَّمع، فزيدوا التَّسلسل مبالغةً في الحفظ، أو هو مجازٌ على العموم، والمرادُ أنَّهم لا يصلون من إفساد المسلمين إلى ما يصلون إليه في غيره لاشتغالهم فيه بالصِّيام الذي فيه قمع الشَّياطين (٦)، وإن وقع شيءٌ من ذلك فهو قليلٌ بالنِّسبة إلى غيره، وهذا أمرٌ محسوسٌ.


(١) في (س): «أُغلِقت».
(٢) «ابن»: سقط من جميع النُّسخ.
(٣) في (ص): «مستقرُّ»، وهو تحريفٌ، وفي (م): «مُسْتَرِق».
(٤) «منهم»: ليس في (د).
(٥) «أيَّام»: ليس في (م).
(٦) في (ب) و (س): «الشَّيطان».

<<  <  ج: ص:  >  >>