للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجود بمُجرَّد لقاء جبريل ومجالسته، ويحتمل أن يكون بمدارسته إيَّاه القرآن، وهو يحثُّ (١) على مكارم الأخلاق، وقد كان القرآن له خُلقًا بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حثَّ عليه، ويمتنع ممَّا زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشَّهر لقرب عهده بمخالطة جبريل وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم، ولا شكَّ أنَّ المخالطة تؤثِّر وتورث أخلاقًا من المُخالط، لكنَّ إضافةَ آثار (٢) ذلك إلى القرآن -كما قال ابن المُنيِّر- آكدُ من إضافتها إلى جبريل ، بل جبريل إنَّما تميَّز بنزوله بالوحي عليه، فالإضافة إلى الحقِّ أَولى من الإضافة إلى الخلق، لا سيَّما والنَّبيُّ على المذهب الحقِّ أفضل من جبريل، فما جالس الأفضل إلَّا المفضول، فلا يُقاس على مجالسة الآحاد للعلماء (٣).

وفي هذا الحديث: تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن ثمَّ معارضة ما نزل منه فيه، وأنَّ ليله أفضل من نهاره، وأنَّ المقصود من التِلاوة الحضور والفهم لأنَّ اللَّيل مظنَّة ذلك لما في النَّهار من الشَّواغل والعوارض، وأنَّ فضل الزَّمان إنَّما يحصل بزيادة العبادة، وأنَّ مداومة (٤) التِّلاوة توجب زيادة الخير، واستحباب تكثير العبادة في أواخر العمر (٥).

وهذا الحديث قد سبق في «كتاب الوحي» [خ¦٦].


(١) في (د): «حثٌّ».
(٢) «آثار»: ليس في (د).
(٣) قال السندي في «حاشيته»: لكن قراءة النَّبي القرآن في صلاة اللَّيل وغيرها كانت دائمةً، ويمكن أن يكون لنزول جبريل عن الله تعالى كلَّ ليلة تأثير، أو يقال: يمكن أن تكون مكارم الأخلاق كالجود وغيره في الملائكة أتمَّ لكونها جبليَّة، وهذا لا ينافي أفضليَّة الأنبياء باعتبار كثرة الثَّواب على الأعمال، أو يقال: زيادة الجود كان بمجموع اللِّقاء والمدارسة، والله تعالى أعلم.
أو يقال: إنَّه كان صلى الله تعالى عليه وسلم يختار الإكثار في الجود في رمضان لفضلهِ أو لشكر نزول جبريل عليه كلَّ ليلةٍ فاتَّفق مقارنة ذلك بنزول جبريل ، والله تعالى أعلم.
(٤) في (د): «ملازمة».
(٥) قوله: «وفي هذا الحديث تعظيم شهر رمضان … واستحباب تكثير العبادة في آواخر العمر»: سقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>