للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لفظه، والمعروف عن مجاهدٍ: خصلتان مَنْ حفظهما سَلِم له صومه: الغيبة والكذب، رواه ابن أبي شيبة، والصَّواب الأوَّل، نعم هذه الأفعال تنقص الصَّوم، وقول بعضهم -إنَّها صغائر تُكفَّر باجتناب الكبائر- أجاب عنه الشَّيخ تقيُّ الدِّين السُّبكيُّ بأنَّ في حديث الباب والذي مضى (١) في أوَّل «الصَّوم» [خ¦١٨٩٤] دلالةً قويَّةً لذلك لأنَّ الرَّفث والصَّخب وقول الزُّور والعمل به ممَّا عُلِم النَّهي عنه مطلقًا، والصَّوم مأمورٌ به مطلقًا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثَّر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطةً به معنًى نفهمه، فلمَّا ذُكِرت في هذين الحديثين نبَّهتنا على أمرين؛ أحدهما: زيادة قبحها في الصَّوم على غيره، والثَّاني: الحثُّ على سلامة الصَّوم عنها، وأنَّ سلامته منها صفةُ كمالٍ فيه، وقوَّة الكلام تقتضي أن يُقبَّح ذلك لأجل الصَّوم، فمقتضى ذلك أنَّ الصَّوم يَكمُل بالسَّلامة عنها، فإذا لم يَسْلَم عنها نقص، ثمَّ قال: ولا شكَّ أنَّ التَّكاليف قد تُرَدُّ بأشياء ويُنبَّه بها على أخرى بطريق الإشارة، وليس المقصود من الصَّوم العدم المحض كما في المنهيَّات لأنَّه يُشتَرط له النِّيَّة بالإجماع، ولعلَّ القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لمَّا كان ذلك يشقُّ خفَّف الله وأَمَرَ (٢) بالإمساك عن المفطرات، ونبَّه العاقل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمَّنته أحاديث المبيِّن عن الله مرادَه، فيكون اجتناب المفْطِرات واجبًا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكمِّلات (٣)، نقله في «فتح الباري». (فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ) يترك (طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) هو مجازٌ عن عدم الالتفات والقبول، فنفى السَّبب وأراد المُسبَّب، وإلَّا فالله لا يحتاج إلى شيءٍ، قاله البيضاويُّ ممَّا (٤) نقله الطِّيبيُّ في «شرح المشكاة»، وقول ابن بطَّالٍ وغيره: -معناه: ليس لله إرادةٌ في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة- فيه إشكالٌ لأنَّه لو لم يرد الله تركه لطعامه وشرابه لم يقع التَّرك


(١) «مضى»: ليس في (م).
(٢) في (د): «وأمرنا».
(٣) في (ص): «الكمالات».
(٤) في (د): «فيما»، وليس في (د ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>