للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنَّ أولى ما فُسِّر به الغريب ما ورد في بعض طرق الحديث، وقد أشارت عائشة بقولها: «وكان أملككم لإربه» إلى أنَّه تُباح القبلة والمباشرة بغير الجماع لمن يكون مالكًا لإربه، دون من لا يأمن من الإنزال أو الجماع، وظاهره: أنَّها اعتقدت خصوصيَّة النَّبيِّ بذلك، لكن ثبت عنها صريحًا إباحة ذلك؛ حيث قالت فيما سبق أوَّل الباب: يحلُّ له كلُّ شيءٍ إلَّا الجماع، فيُحمَل النَّهي هنا عنه (١) على كراهة التَّنزيه لأنَّها لا تنافي الإباحة، وفي «كتاب الصِّيام» ليوسف القاضي بلفظ: سُئِلت عائشة عن المباشرة للصَّائم فكرهتها، وكان هذا هو السِّرَّ في تصدير البخاريِّ بالأثر الأوَّل عنها لأنَّه يفسِّر مرادها بما ذكرته ممَّا يدلُّ على الكراهة، ويدلُّ على أنَّها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما في «المُوطَّأ»: أنَّ عائشة بنت طلحة كانت عند عائشة، فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق (٢)، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبِّلها؟ قال: أقبِّلها وأنا صائمٌ؟! قالت: نعم. ولا يخفى أنَّ محلَّ هذا مع الأمن، فإن حرك ذلك شهوةً حَرُم لأنَّ فيه تعريضًا لإفساد العبادة، ولحديث «الصَّحيحين»: «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» وروى البيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ عن عائشة : أنَّه رخَّص في القبلة للشَّيخ (٣) وهو صائمٌ، ونهى عنها الشَّابَّ، وقال: «الشَّيخ يملك إربه، والشَّابُّ يفسد صومه» ففهمنا من التَّعليل أنَّه دائرٌ مع تحريك الشَّهوة بالمعنى المذكور، والتَّعبير بالشَّيخ والشَّابِّ جرى على الأغلب (٤) من أحوال الشُّيوخ في انكسار شهوتهم، ومن أحوال الشَّباب في قوَّة شهوتهم، فلو انعكس الأمر انعكس الحكم، ولو ضمَّ المرأة إلى نفسه بحائلٍ فأنزل لا يفطر؛ إذ لا مباشرة كالاحتلام، وخرج بالحائل ضمُّها بدونه فيبطل، ولو لمس شعرها فأنزل؛ قال في «المجموع»:


(١) «عنه»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٢) «الصِّدِّيق»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٣) زيد في (ص): «في القبلة»، وهو تكرارٌ.
(٤) في (د): «الغالب».

<<  <  ج: ص:  >  >>