للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّفل بالفطر إذا كان عمدًا حرامًا، فلا قضاء على من أفطر ناسيًا، ولا على من أفطر لعذرٍ من مرضٍ أو غيره، فلو شرع في صوم نفلٍ وجب عليه إتمامه، وحرم عليه الفطر من غير عذر، ولو حلف عليه شخصٌ بالطَّلاق الثَّلاث فإنَّه يحنِّثه ولا يفطر، فإن أفطر وجب عليه القضاء إلَّا في كوالدٍ وشيخٍ وإن لم يحلفا، وفي حكايات أهل الطَّريق: أنَّ بعض الشُّيوخ حضر دعوةً فعرض الطَّعام على تلميذه، فقال: إنِّي على نيَّةٍ، وأبى أن يأكل، فقال له الشَّيخ: كُلْ وأنا أضمن لك أجر سنةٍ، فأبى، فقال الشَّيخ: دعوه؛ فإنَّه سقط من عين الله، فنسأل (١) الله العافية. وقال الحنفيَّة: يلزمه القضاء مطلقًا أفسد عن قصدٍ أو (٢) غير قصدٍ بأن عرض الحيض للصَّائمة المتطوِّعة. لا خلاف بين أصحابنا في ذلك، وإنَّما اختلاف الرِّواية في نفس الإفساد: هل يُباح أو لا؟ ظاهر الرِّواية: لا إلَّا لعذرٍ (٣)، ورواية «المنتقى» يُباح بلا عذرٍ، ثمَّ اختلف المشايخ على ظاهر الرِّواية: هل الضِّيافة عذرٌ أو لا؟ قيل: نعم، وقيل: لا، وقيل: عذرٌ قبل الزَّوال لا بعده، إلَّا إذا كان في عدم الفطر بعده عقوقٌ لأحد الوالدين لا غيرهما، حتَّى لو حلف عليه رجلٌ بالطَّلاق الثَّلاث ليفطرنَّ (٤) لا يفطر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] وقوله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] الآية سيقت (٥) في معرض ذمِّهم على عدم رعاية ما التزموه من القُرَب التي لم تُكتَب عليهم، والقدر المؤدَّى عمل كذلك، فوجب صيانته عن الإبطال بهذين النَّصَّين، فإذا أفطر وجب قضاؤه تفاديًا عن الإبطال، وأُجيب بأنَّ المراد: لا تحبطوا الطَّاعات بالكبائر أو بالكفر والنِّفاق، والعجب والرِّياء، والمنِّ والأذى ونحوها، وهذا غير الإبطال الموجب للقضاء، وقد قال ابن المُنيِّر من المالكيِّة في «الحاشية»: ليس في تحريم الأكل في صوم النَّفل من غير عذرٍ إلَّا الأدلَّة العامَّة كقوله (٦) تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] إلَّا أنَّ الخاصَّ يُقدَّم على العامِّ كحديث سلمان ونحوه، فمذهب الشَّافعيَّة في هذه المسألة أظهر.


(١) في (د) و (م): «نسأل».
(٢) زيد في (د): «عن».
(٣) في غير (ب) و (د) و (س): «بعذرٍ».
(٤) في (ب) و (س): «لتفطرنَّ».
(٥) في (ب) و (س): «سبقت».
(٦) في (د): «في قوله».

<<  <  ج: ص:  >  >>