«ما جاء»(١)(﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ﴾) فرغتم منها (﴿فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾) لقضاء حوائجكم (﴿وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ﴾) رزقه، وهذا أمرُ إباحةٍ بعد الحظر، وكان عِراكُ بنُ مالكٍ إذا صلَّى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللَّهم أجبتُ دعوتك، وصلَّيت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرَّازقين. رواه ابن أبي حاتم، وعن بعض السَّلف: من باع واشترى بعد صلاة الجمعة بارك الله له سبعين مرة. (﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا﴾) اذكروه في مجامع أحوالكم، ولا تخصُّوا ذكره بالصَّلاة (﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾) بخير الدَّارين (﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا﴾) قيل: تقديره: إليها وإليه، فحُذِفت «إليه» للقرينة، وقيل: أَفرد التِّجارةَ لأنَّها المقصودة؛ إذ المراد من اللَّهو: طبلُ قدومِ العير، والآية نزلت حين قدمت عيرٌ المدينةَ أيَّامَ الغلاءِ والنَّبيُّ ﷺ يخطب، فسمع النَّاسُ الطبلَ لقدومها، فانصرفوا إليها إلَّا اثني عشر رجلًا (﴿وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾) في الخطبة، وكان ذلك في أوائل وجوب الجمعة حين كانت الصَّلاة قبل الخطبة مثل العيد، كما رواه أبو داود في «مراسيله»(﴿قُلْ مَا عِندَ اللهِ﴾) من الثَّواب (﴿خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجمعة: ١٠ - ١١]) لمن توكَّل عليه، فلا تتركوا ذكر الله في وقتٍ. وفي هذه الآية مشروعيَّة البيع من طريق عموم ابتغاء الفضل؛ لشموله التِّجارة وأنواع التَّكسُّب، ولفظ رواية أبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر:«﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ﴾ إلى آخر السُّورة»، وفي أخرى لهم ذكر الآية إلى قوله: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ثم قال: «إلى آخر السُّورة». (وَقَوْلِهِ) تعالى بالجرِّ عطفًا على السَّابق: (﴿لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾) بما لم يُبِحْه الشَّرع، كالغصب والرِّبا والقمار (﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]) استثناءٌ منقطعٌ، أي: لكن كونُ تجارةٍ عن تراضٍ غيرُ منهيٍّ عنه، أو اقصدوا كون تجارةٍ، و ﴿عَن تَرَاضٍ﴾ صفةٌ لـ ﴿تِجَارَةٌ﴾ أي: تجارةٌ صادرةٌ عن تراضي