للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أدخل في الإلهاء من قِبَلِ أنَّ التَّاجر إذا اتَّجهت له بيعةٌ رابحةٌ، وهي طَلِبَتُهُ الكلِّيَّة من صناعته، أَلْهَتْهُ ما لا يُلهيه شراء شيءٍ يتوقَّع فيه الرِّبح في الوقت، أو لأنَّ هذا يقينٌ، وذاك مظنونٌ، أو أن (١) الشِّراء يسمى تجارةً، إطلاقًا لاسم الجنس على النَّوع، أو التِّجارة لأهل الجلب، يقال: تجر (٢) فلان في كذا، إذا جلبه، واختُلِف في المعنيِّ، فقيل: لا تجارة لهم فلا يشتغلون عن الذِّكر، وقيل: لهم تجارةٌ ولكنها لا تُشغِلهم، وعلى هذا تُنزَّل ترجمة البخاريِّ، فإنَّما أراد إباحة التِّجارة وإثباتها لا نفيها، وأراد بقوله: «في البزِّ (٣) وغيره»: أنَّه لا يتقيَّد في تخصيص (٤) نوعٍ من البضائع دون غيره، وإنَّما التَّقييد في ألَّا يشتغل بالتِّجارة عن الذِّكر (٥)، ولم يَسُقْ في الباب حديثًا يقتضي التِّجارة في البزِّ بعينها من بين سائر أنواع التِّجارات، قال ابن بطَّال: غير أنَّ قوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ﴾ [النور: ٣٧] يدخل فيه جميع أنواع التِّجارة (٦) من البزِّ وغيره، قال في «المصابيح»: لا نُسلِّم شمول الآية لكلِّ تجارة بطريق العموم الاستغراقيِّ، فإنَّ التِّجارة والبيع فيها من المطلق، لا من العامِّ، فإن قلت: كيف يتَّجه هذا وكلٌّ من التِّجارة والبيع في الآية وقع نكرةً في سياق النَّفي؟ وأجاب: بأنَّ ترجمة البخاريِّ مقتضيةٌ لإثبات التِّجارة لا نفيها، وأنَّ المعنى: لهم تجارةٌ وبيعٌ لا يُلهيانهم عن ذكر الله، فإذًا كلٌّ منهما نكرةٌ في سياق (٧) الإثبات، فلا تعمُّ. (وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ) أي: الصَّحابة (يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ) أي: عَرَض لهم (حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ) أي: لم تشغلهم الدُّنيا وزخرفها وملاذُّها وربحها (عَنْ ذِكْرِ اللهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللهِ) ﷿ الَّذي هو خالقهم ورازقهم، فيقدِّمون طاعته ومراده ومحبَّته على مرادهم ومحبَّتهم، وقال ابن بطَّال: ورأيت في تفسير الآية قال (٨): كانوا


(١) في (د): «لأنَّ».
(٢) في (د): «اتَّجر».
(٣) في (د): «البر».
(٤) في (د): «بتخصيص».
(٥) في (د): «ذكر الله».
(٦) في (د): «التِّجارات».
(٧) زيد في (د): «نفي».
(٨) «قال»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>