للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، وربا النَّساء، وهو البيع لأجلٍ، وكلٌّ منها حرامٌ (﴿لَا يَقُومُونَ﴾) من قبورهم (﴿إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾) أي: إلَّا قيامًا كقيام المصروع (﴿مِنَ الْمَسِّ﴾) أي: الجنون، وقال في «البحر»: ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾: متعلِّقٌ بقوله: ﴿يَتَخَبَّطُهُ﴾ وهو على سبيل التَّأكيد ورفع ما يحتمله ﴿يَتَخَبَّطُهُ﴾ من المجاز، إذ هو ظاهرٌ في أنَّه لا يكون إلَّا من المسِّ، ويحتمل أن يكون المراد بالتَّخبُّط: الإغواء (١) وتزيين المعاصي، فأزال قوله (٢): ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ هذا الاحتمال، وقول الزَّمخشريِّ: «إنَّ (٣) قوله: ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ متعلِّقٌ بـ ﴿لَا يَقُومُونَ﴾ أي: لا يقومون من المسِّ الذي بهم إلَّا كما يقوم المصروع (٤)» ضعيفٌ؛ لأنَّ ما بعد «إلَّا» لا يتعلَّق بما قبلها إلَّا إن كان في حيِّز الاستثناء؛ ولذلك منعوا أن يتعلَّق ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً﴾ [النحل: ٤٣] وأنَّ التَّقدير: وما أرسلنا بالبيِّنات والزُّبر إلَّا رجالًا يوحى إليهم. انتهى. وقيل: إنَّ النَّاس يخرجون من الأجداث سِراعًا، لكنَّ آكل الرِّبا يربو الرِّبا في بطنه، فيريد الإسراع فيسقط، فيصير بمنزلة المتخبِّط من الجنون لاختلال عقله. (﴿ذَلِكَ﴾) أي: العقاب (﴿بِأَنَّهُمْ﴾) بسبب أنَّهم (﴿قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾) نظموا الرِّبا والبيع (٥) في سلكٍ واحدٍ؛ لإفضائهما إلى الرِّبح، فاستحلُّوه استحلاله، قال الزَّمخشريُّ: فإن قلت: هلَّا قيل: إنَّما الرِّبا مثل البيع لأنَّ الكلام في الرِّبا لا في البيع، فوجب أن يُقال: إنَّهم شبَّهوا الرِّبا بالبيع فاستحلُّوه، وكانت شبهتهم أنَّهم قالوا: لو اشترى الرجل ما لا يساوي إلَّا درهمًا بدرهمين جاز، فكيف إذا باع (٦) درهمًا بدرهمين؟ وأجاب: بأنَّه جيء به على طريق المبالغة، وهو أنَّه قد بلغ من اعتقادهم في حلِّ الرِّبا أنَّهم جعلوه أصلًا وقانونًا في الحلِّ حتى شبَّهوا به البيع. انتهى. وتعقَّبه ابن المُنَيِّر بأنَّه لا يجب حمله على المبالغة؛ إذ يمكن أن يُقال: الرِّبا كالبيع، والبيع حلالٌ، فالرِّبا مثله، ويمكن أن يعكس فيُقال: البيع كالرِّبا، فلو كان الرِّبا حرامًا كان


(١) في (د): «الإغراء».
(٢) في (د): «بقوله».
(٣) في (م): «إنَّه».
(٤) قوله: «قوله: ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ … المصروع»: سقط من (م).
(٥) في (ب) و (س): «البيع والرِّبا».
(٦) زيد في (د ١): «به».

<<  <  ج: ص:  >  >>