للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليس البِرُّ ما أنتم عليه؛ فإنَّه منسوخٌ (﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ﴾) الذي ينبغي أن يُهتَمَّ به (﴿مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ﴾) القرآنِ أو أعمَّ (﴿وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾) تعالى أو حبِّ المال (﴿ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾) المحاويج منهم، ولم يقيِّده لعدم الإلباس (﴿وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾) المسافر أو الضَّيف (﴿وَالسَّآئِلِينَ﴾) أي: الذين ألجأَتْهمُ الحاجة إلى السُّؤال (﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾) أي: تخليصها بمعاونة المُكاتَبين، أو فكِّ الأسارى، أو ابتياع الرِّقاب لعتقها (﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾) المفروضتين، والمُرَاد بـ ﴿وَآتَى الْمَالَ﴾ بيانُ مصارِفِها (﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ﴾) عطفٌ على ﴿مَنْ آمَنَ﴾ (﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء﴾) نُصِبَ على المدح، ولم يُعطَف لفضل الصَّبر على سائر الأعمال، وعن الأزهريِّ (١): ﴿الْبَأْسَاء﴾ في الأموال؛ كالفقر، و ﴿والضَّرَّاء﴾ في الأنفس؛ كالمرض (﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾) وقتَ مجاهدة العدوِّ (﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾) في الدِّين واتِّباع الحقِّ وطلب البِرِّ (﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧]) عن الكفر وسائر الرَّذائل، والآية -كما ترى- جامعةٌ للكمالات الإنسانيَّة بأَسْرِها، دالَّةٌ عليها صريحًا أو ضمنًا، فإنَّها (٢) بكثرتها وتشعُّبها منحصرةٌ في ثلاثةِ أشياءَ: صِحَّةِ الاعتقادِ، وحُسنِ المُعاشَرَةِ، وتهذيبِ النَّفسِ، وقد أُشِير إلى الأوَّل بقوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ … إلى: ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾ وإلى الثَّاني بقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ﴾ … إلى: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ وإلى الثَّالث بقوله: ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ﴾ … إلى آخرها؛ ولذلك وُصِفَ المُستجمِع لها بالصِّدق نظرًا إلى إيمانه واعتقاده، وبالتَّقوى اعتبارًا لمُعاشرَته للخَلْق ومُعاملَته مع الحقِّ، وإليه أشار بقوله: «مَنْ عمل بهذه الآية فقدِ استكمل الإيمان»، وهذا وجه استدلال المؤلِّف بهذه الآية ومُناسبَتها لتبويبه، وفي حديث أبي ذَرٍّ عند عبد الرَّزَّاق بسندٍ رجالُهُ ثقاتٌ: أنَّه سأل النَّبيَّ عن الإيمان، فتلا عليه هذه الآية، ولم يذكره المؤلِّف لأنَّه ليس على شرطه، وقد سقط في


(١) في (ص) و (م): «الزُّهريِّ»، وهو تحريفٌ.
(٢) في (ص): «كأنَّها».

<<  <  ج: ص:  >  >>