للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حيث قال: ومن يعصهما؛ فقد غوى. فقال له : «بئس الخطيبُ أنتَ»، فأمره بالإفراد إشعارًا بأنَّ كلَّ واحدٍ من العصيانين مستقلٌّ باستلزامه الغواية؛ إذ العطف في تقدير التَّكرير، والأصل: استقلال كلِّ واحدٍ من المعطوفين في الحكم، فهو في قوَّةِ قولنا: ومن عصى الله فقد غوى، ومن عصى الرسول فقد غوى، ويؤيِّد ذلك قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] لم يُعِدْ «أطيعوا» في ﴿أُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ كما أعاده في: ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾ ليؤذن بأنَّه لا استقلال لهم في الطَّاعة استقلالَ الرَّسول ، وقِيل: إنَّه من الخصائص، فيمتنع من غيره ؛ لأنَّ غيره إذا جُمع أَوهَمَ التَّسوية، بخلافه هو ، فإنَّ منصبه لا يتطرَّق إليه إيهامُ ذلك، وقال: «ممَّا» ولم يقل: ممَّن؛ ليعمَّ العاقلَ وغيرَه، والمُرَاد بهذا الحبِّ -كما قاله البيضاويُّ-: العقليُّ؛ وهو إيثار ما يقتضي العقلُ رجحانَه ويستدعي اختيارَه، وإن كان على خلاف هواه، ألا ترى أنَّ المريض يَعافُ الدَّواء وينفر عنه طبعُه، ولكنَّه يميل إليه باختياره، ويهوى تناوله بمُقتضَى عقله؛ لِمَا يعلم أنَّ صلاحه فيه (وَ) من محبَّة الله تعالى ورسوله (أَنْ يُحِبَّ) المتلبِّس بها (المَرْءَ) حال كونه (لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) تعالى (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ) أي: العود (فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه، أي: مثل كُرهِهِ القذفَ (فِي النَّارِ) وهذا نتيجة دخول نور الإيمان في القلب بحيث يختلط باللَّحم والدَّم، واستكشافِهِ عن محاسن الإسلام وقبح الكفر وشَيْنِه، فإن قلت: لمَ عدَّى «العَوْد» بـ «في» ولم يعدِّه بـ «إلى» كما هو المشهور؟ أجاب الحافظ ابن حجرٍ كالكِرمانيِّ: بأنَّه ضُمِّن معنى الاستقرار، كأنَّه قال: أن يعود مستقرًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>