للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من قِبَلِ أنفسكم، أو أنَّ البهتان ناشئٌ عمَّا يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل، ثمَّ يبرزه بلسانه، أو المعنى: لا تبهتوا النَّاس بالمعايب كفاحًا مواجهةً (وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ) وهو ما عُرِفَ من الشَّارع حُسنُه، نهيًا أو أمرًا (١)، وقُيِّد به تطييبًا لقلوبهم؛ لأنَّه لا يأمر إلَّا به، وقال البيضاويُّ في الآية: والتَّقييد بالمعروف مع أنَّ الرَّسول لا يأمر إلَّا به؛ للتَّنبيه على أنَّه لا تجوز طاعة مخلوقٍ في معصية الخالق، وخصَّ ما ذكر من المناهي بالذِّكر دون غيره للاهتمام به، (فَمَنْ وَفَى) بالتَّخفيف، وفي رواية أبي ذَرٍّ: «وفَّى» بالتَّشديد، أي: ثبت على العهد (مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فضلًا ووعدًا، أي: بالجنَّة، كما وقع التَّصريح به في «الصَّحيحين» من حديث عُبادةَ في رواية الصُّنابحيِّ [خ¦٣٨٩٣] وعبَّر بلفظ: «على» وبـ «الأجر» للمُبالغَة في تحقُّق وقوعه، ويتعيَّن حمله على غير ظاهره للأدلَّة (٢) القاطعة على أنَّه لا يجب على الله شيءٌ، بل الأجر من فضله عليه، لمَّا ذكر المُبايَعَة المقتضية لوجود العوضين أثبت الأجر في موضع أحدهما (وَمَنْ أَصَابَ) منكم أيُّها المؤمنون (مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا) غير الشِّرك؛ بنصب «شيئًا» مفعول «أصاب» الذي هو صلةٌ من الموصول المتضمِّن معنى الشَّرط، والجارُّ للتَّبعيض (فَعُوقِبَ) أي: به، كما رواه أحمدُ، أي: بسببه (فِي الدُّنْيَا) أي: بأن أُقِيَم عليه الحدُّ (فَهُوَ) أي: العقاب (كَفَّارَةٌ لَهُ) فلا يُعاقَب عليه في الآخرة، وفي رواية الأربعة: «فهو كفَّارةٌ» بحذف «له» وقد قِيلَ: إنَّ قتل القاتل حدٌّ وإرداعٌ لغيره، وأمَّا في الآخرة فالطَّلب للمقتول قائمٌ، وتُعقِّب بأنَّه لو كان كذلك لم يَجُزِ العفوُ عن القاتل، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء: أنَّ الحدود كفَّاراتٌ لظاهر الحديث، وفي «التِّرمذيِّ» وصحَّحه من حديث عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه مرفوعًا نحو هذا الحديث، وفيه: «ومن أصاب ذنبًا فعُوقِبَ به في الدُّنيا فالله أكرمُ من أن يُثنِّي العقوبة على عبده في الآخرة» و «شيئًا»: نكرةٌ تفيد العموم لأنَّها في سياق الشَّرط، وقد صرَّح ابن الحاجب بأنَّه كالنَّفي في إفادته، وحينئذٍ


(١) في (ب) و (س): «وأمرًا».
(٢) في (م): «للدلالة».

<<  <  ج: ص:  >  >>