للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى سكوته فيحقد عليهم (١)، أو يلتجئ إلى أن يكذب، وعُدَّ منه قول الرَّجل لصاحبه: أين كنت؟ وأمَّا المسائل المنهيُّ عنها في زمنه فكان ذلك خوف (٢) أن يُفرَض عليهم ما لم يكن فرضًا، وقد أُمِنت الغائلة (وَ) كره أيضًا (إِضَاعَةَ المَالِ) السَّرف في إنفاقه؛ كالتَّوسُّع في الأطعمة اللَّذيذة، والملابس الحسنة، وتمويه الأواني والسُّقوف بالذَّهب والفضَّة؛ لما ينشأ عن ذلك من القسوة وغلظ الطَّبع، وقال سعيد بن جبيرٍ: إنفاقه في الحرام، والأقوى أنَّه ما أُنفِق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، سواءٌ كانت دينيَّةً أو دنيويَّةً، فمنع منه؛ لأنَّ الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك (٣) المصالح، إمَّا في حقِّ مضيِّعها، وإمَّا في حقِّ غيره، ويُستثنَى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البرِّ لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوِّت حقًّا أخرويًّا هو أهمُّ منه، والحاصل: أنَّ (٤) في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجهٍ، الأوَّل: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا، فلا شكَّ في منعه، والثَّاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا، فلا ريب في كونه مطلوبًا بالشَّرط المذكور، والثَّالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذِّ النَّفس، فهذا ينقسم إلى قسمين، أحدهما: أن يكون على وجهٍ يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسرافٍ، والثَّاني: ما لا يليق به عرفًا، وهو ينقسم أيضًا إلى قسمين: ما يكون لدفع مفسدةٍ ناجزةٍ أو متوقَّعةٍ، فهذا ليس (٥) بإسرافٍ، والثَّاني: ما لا يكون في شيءٍ من ذلك، والجمهور: على أنَّه إسرافٌ، وذهب بعض الشَّافعيَّة: إلى أنَّه ليس بإسرافٍ، قال: لأنَّه تقوم به مصلحة البدن، وهو غرضٌ صحيحٌ، وإذا كان في غير معصيةٍ فهو مباحٌ، قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قاله. انتهى. وقد صرَّح بالمنع القاضي حسينٌ، وتبعه الغزاليُّ، وجزم به الرَّافعيُّ، وصَحَّح في «باب الحجر» من الشَّرح، وفي «المُحرَّر»: أنَّه ليس بتبذيرٍ، وتبعه النَّوويُّ، والذي يترجَّح أنَّه ليس مذمومًا لذاته، لكنَّه يُفضي غالبًا إلى ارتكاب المحذور (٦)، كسؤال النَّاس، وما أدَّى إلى المحذور فهو محذورٌ.


(١) في (د): «عليه».
(٢) في (ص) و (م): «خوفًا».
(٣) في (د): «لتلك».
(٤) «أنَّ»: ليس في (د) و (ص) و (م).
(٥) في (ب) و (س): «فليس هذا».
(٦) في (د): «المحظور».

<<  <  ج: ص:  >  >>