للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لِما يحلُّ بهم (﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾ يَعْنِي: جُوْفًا) بضمِّ الجيم وسكون الواو: خاويةً خاليةً (لَا عُقُولَ لَهُمْ) لفرط الحيرة والدَّهشة، وهو تشبيهٌ محضٌ؛ لأنَّها ليست بهواءٍ حقيقةً، وجهة التَّشبيه يحتمل أن تكون في فراغ الأفئدة من الخير والرَّجاء والطَّمع في الرَّحمة (﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ﴾) يا محمَّد (﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾) يعني: يوم القيامة، أو يوم الموت، فإنَّه أوَّل يوم عذابهم، وهو مفعولٌ ثانٍ لـ ﴿أذةآر﴾ ولا يجوز أن يكون ظرفًا؛ لأنَّ القيامة ليست بموطن الإنذار (﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾) بالشِّرك والتَّكذيب (﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾) أخِّر العذاب عنَّا ورُدَّنا إلى الدُّنيا، وأمهلنا إلى أمدٍ وحدٍّ من الزَّمان قريبٍ نتدارك ما فرَّطنا فيه (﴿نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾) جوابٌ للأمر، ونظيره قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠] (﴿أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾) على إرادة القول، وفيه وجهان: أن يقولوا ذلك بطرًا وأشرًا ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسَّفه، وأن يقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديدًا وأمَّلوا بعيدًا، وقوله: ﴿مَا لَكُم﴾ جواب القسم، وإنَّما جاء بلفظ الخطاب لقوله: ﴿أَقْسَمْتُمْ﴾ ولو حُكِي لفظ المقسمين لقِيل: ما لنا من زوالٍ، والمعنى: أقسمتم أنَّكم باقون في الدُّنيا لا تزالون بالموت والفناء، وقيل: لا تنتقلون إلى دارٍ أخرى -يعني: كفرهم بالبعث- كقوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] قاله الزَّمخشريُّ.

(﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾) بالكفر والمعاصي، كعادٍ وثمود (﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾) بما تشاهدون في منازلهم من آثار ما نزل بهم، وما تواتر عندكم من أخبارهم (﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ﴾) من أحوالهم، أي: بيَّنا لكم أنَّكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب، أو صفات ما فعلوا وفُعِل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة (﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ﴾) أي: مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم، لإبطال الحقِّ وتقرير الباطل (﴿وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ﴾) ومكتوبٌ عنده فعلُهم، فهو مُجازيهم عليه بمكرٍ هو أعظم منه، أو عنده ما يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقُّونه (﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ﴾) في العِظَم والشِّدَّة (﴿لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾) مُسوًّى لإزالة الجبال، مُعَدًّا لذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>