للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبِرًّا (﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾) أي: تفعلوه سرًّا (﴿أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ﴾) لكم المُؤاخَذة عليه، وهو المقصود، وذكر إبداء الخير وإخفائه تسبيبٌ (١) له، ولذلك رتَّب عليه قوله: (﴿فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩]) أي: يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام، فأنتم أَولى بذلك، وهو حثٌّ للمظلوم (٢) على العفو بعدما رُخِّص له في الانتصار؛ حملًا على مكارم الأخلاق، وقوله تعالى في سورة ﴿حم. عسق﴾: (﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾) وسمَّى الثَّانية سيِّئةً للازدواج، ولأنَّها تسوء من تنزل به (﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾) بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء (﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾) عِدَةٌ مُبهَمةٌ لا يُقاس أمرها في العظم (﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾) المبتدئين بالسَّيِّئة والمتجاوزين في الانتقام (﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾) بعدما ظُلِم، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول (﴿فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾) من مأثمٍ (﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾) يعني: الإثم والحرج (﴿عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾) يبتدئونهم بالإضرار، يطلبون ما لا يستحقُّونه تجبُّرًا عليهم (﴿وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾) على ظلمهم وبغيهم (﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾) على الأذى ولم يقتصَّ من صاحبه (﴿وَغَفَرَ﴾) تجاوز عنه وفوَّض أمره إلى الله (﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾) الصَّبر والتَّجاوز (﴿لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٠ - ٤٣]) أي: إنَّ ذلك منه، فحُذِف للعلم به، كما حُذِف في قولهم: السَّمن مَنَوان بدرهمٍ، ويُحكَى أنَّ رجلًا سبَّ رجلًا في مجلس الحسن ، فكان المسبوب يكظم ويعرق، فيمسح العرق، ثمَّ قال: فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عَقَلها والله وفهمها إذ ضيَّعها الجاهلون. وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وأبي داود أنَّ النَّبيَّ قال لأبي بكرٍ: «ما من عبدٍ ظُلِم مظلمةً فعفا عنها إلَّا أعزَّ الله بها نصره»، وقد قالوا: العفو مندوبٌ إليه، ثمَّ قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوبًا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كفِّ زيادة البغي وقطع مادَّة الأذى، وسقط من الفرع قوله تعالى: «﴿وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ﴾»، أي: من ناصرٍ يتولَّاه، أي: من بعد


(١) في (م): «تسبُّبٌ».
(٢) في (ج) و (ص) و (ل): «وهو حثٌّ المظلوم»، وفي هوامشهم: وفي خطِّه: «حثٌّ -منوَّنة- المظلوم»، ولعلَّه: للمظلوم. انتهى. وفي «البيضاويِّ»: وهو حثُّ المظلومِ، أي: بالإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>