ما حرَّم الله من الغيبة لا يمكن تحليله، وجاء رجلٌ إلى ابن سيرين فقال: اجعلني في حِلٍّ فقد اغتبتك، فقال: إنِّي لا أحلُّ ما حرَّم الله، ولكن ما كان من قبلنا فأنت في حلٍّ، ولمَّا قال:«قبل ألَّا يكون دينارٌ ولا درهمٌ» كأنَّه قيل: فما يُؤخَذ منه بدل مظلمته؟ فقال:(إِنْ كَانَ لَهُ) أي: الظَّالم (عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ) أي: من ثواب عمله الصَّالح (بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ) التي ظلمها لصاحبه (وَإِنْ لَمْ يَكُن لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ) الذي ظلمه (فَحُمِلَ عَلَيْهِ) أي: على الظَّالم عقوبة سيِّئات المظلوم، قال المازريُّ: زعم بعض المبتدعة أنَّ هذا الحديث معارِضٌ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] وهو باطلٌ وجهالةٌ بيِّنةٌ؛ لأنَّه إنَّما عُوقِب بفعله ووزره فتُوجِّه عليه حقوقٌ لغريمه، فدُفِعت إليه من حسناته، فلمَّا فرغت حسناته أُخِذ من سيِّئات خصمه فوُضِعت عليه، فحقيقة العقوبة مُسبَّبةٌ عن ظلمه، ولم يُعاقَب بغير جنايةٍ منه.
(قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) المؤلِّف: (قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ) هو شيخ المؤلِّف: (إِنَّمَا سُمِّيَ) أي: أبو سعيدٍ المذكور في السَّند (المَقْبُرِيَّ؛ لأَنَّهُ كَانَ نَزَلَ) ولأبي ذرٍّ: «ينزل»(نَاحِيَةَ المَقَابِرِ) بالمدينة الشَّريفة، وقيل: لأنَّ عمر بن الخطَّاب ﵁ جعله على حفر القبور بالمدينة، وهو تابعيٌّ (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ: (وَسَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ هُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ) كان مكاتبًا لامرأةٍ من أهل المدينة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة (وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ) بفتحِ الكاف، ومات سعيدٌ المقبريُّ في أوَّل خلافة هشامٍ، وقال ابن سعدٍ: مات سنة ثلاثٍ وعشرين ومئةٍ، واتَّفقوا على توثيقه، قال محمَّد بن سعدٍ: كان ثقةً كثير الحديث، لكنَّه اختلط قبل موته بأربع سنين، وقد سقط قوله «قال أبو عبد الله: قال إسماعيل … » إلى آخره في غير رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ، وثبت فيها، والله أعلم.