للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نقاتلْك كما قاتلك بنو فلانٍ، يريدون الصَّدقة ويمنُّون، فقال الله تعالى لرسوله : (﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا﴾) إذِ الإيمانُ تصديقٌ مع ثقةٍ وطمأنينةِ قلبٍ (﴿وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤]) فإنَّ الإسلام انقيادٌ، ودخولٌ في السِّلْم، وإظهارٌ للشَّهادة لا بالحقيقة، ومن ثمَّ قال تعالى: ﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا﴾ لأنَّ كلَّ ما يكون من الإقرار باللِّسان من غير مُواطَأة القلب فهو إسلامٌ، وما واطأ فيه القلب اللِّسان فهو إيمانٌ، وكان نظم الكلام أن يقول: لا تقولوا: آمنَّا، ولكن قولوا: أسلمنا؛ إذ لم تؤمنوا ولكنْ أسلمتم، فَعَدَلَ عنه إلى هذا النَّظم ليفيدَ تكذيبَ دعواهم، وفي هذه الآية -كما قال الإمام أبو بكر بن الطَّيِّب- حجَّةٌ على الكرَّاميَّة ومن وافقهم من المرجئة في قولهم: إنَّ الإيمان إقرارٌ باللِّسان فقط، ومثلُ هذه الآية في الدَّلالة لذلك قولُه تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ [المجادلة: ٢٢] ولم يقل: كتب في ألسنتهم، ومن أقوى ما يُرَدُّ به عليهم الإجماع على كفر المنافقين مع كونهم أظهروا الشَّهادتين.

(فَإِذَا كَانَ) أي: الإسلامُ (عَلَى الحَقِيقَةِ) الشَّرعية، وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله تعالى (فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩]) أي: لا دينَ مرضيَّ عنده تعالى سواه، وفتح الكسائيُّ همزة ﴿إِنَّ﴾ على أنَّه بدلٌ من ﴿أَنَّهُ﴾ [آل عمران: ١٨] بدل الكلِّ من الكلِّ (١) إن فُسِّر الإسلامُ بالإيمان، وبدل الاشتمال إن فُسِّر بالشَّريعة، وقد استدلَّ المؤلِّف بهذه الآية على أنَّ الإسلام الحقيقيَّ هو الدِّينُ، وعلى أنَّ الإسلام والإيمان مترادفان، وهو قول


(١) «من الكلِّ»: من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>