للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ) التي هي سكنُ (١) أمِّ سلمة (فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ) أي: إلى الخصوم، ولم يُسمَّوا (فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) من باب الحصر المجازيِّ؛ لأنَّه حصرٌ خاصٌّ، أي: باعتبار علم البواطن، ويُسمَّى عند علماء البيان قصر القلب؛ لأنَّه أتى به على الرَّدِّ (٢) على من زعم أنَّ من كان رسولًا يعلم الغيب، فيطَّلع على البواطن، ولا يخفى عليه المظلوم، ونحو ذلك، فأشار إلى أنَّ الوضع البشريَّ يقتضي ألَّا يدرك من الأمورإلَّا ظواهرها، فإنَّه خُلِق خلقًا لا يَسْلَمُ من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء، فإذا تُرِك على (٣) ما جُبِل عليه من القضايا البشريَّة ولم يُؤيَّد بالوحي السَّماويِّ طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر (وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ) وفي «الأحكام» [خ¦٧١٦٩]: «وإنَّكم تختصمون إليَّ» (فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ) أي: أحسن إيرادًا للكلام (مِنْ بَعْضٍ) أي: وهو كاذبٌ، وفي «الأحكام»: «ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجَّته من بعضٍ»، أي: ألسنَ وأفصحَ وأبينَ كلامًا وأقدرَ على الحجَّة، وفيه اقتران خبر «لعلَّ» التي اسمها «بعض» بـ «أن» المصدريَّة (فَأَحْسَِبَُ) بفتح السِّين وكسرها لغتان، والنَّصب عطفًا على «أن يكون أبلغَ»، وبالرَّفع، أي: فأظنُّ لفصاحته ببيان حجَّته (أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ) الذي سمعتُ منه (فَمَنْ قَضَيْتُ) أي: حكمت (لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ) أي: أو ذمِّيٍّ أو معاهدٍ، فالتَّعبير بالمسلم لا مفهوم له، وإنَّما خرج مخرج الغالب كنظائره ممَّا سبق (فَإِنَّمَا هِيَ) أي: القصَّة أو الحالة (قِطْعَةٌ) طائفةٌ (مِنَ النَّارِ) أي: من قضيت له بظاهرٍ يخالف الباطن فهو حرامٌ، فلا يأخذنَّ ما قضيتُ له؛ لأنَّه يأخذ ما يؤول به إلى قطعةٍ من النَّار، فوضع المُسبَّب -وهو قطعةٌ من النَّار- موضع السَّبب -وهو ما حكم له به- (فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا) ولأبي ذرٍّ: «أو ليتركها» بإسقاط الفاء، قال النَّوويُّ: ليس معناه التَّخيير، بل هو للتَّهديد والوعيد، كقوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] وقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]. انتهى. وتُعقِّب: بأنَّه إن أراد أنَّ كلتا (٤) الصِّيغتين للتَّهديد فممنوعٌ، فإنَّ قوله: «فليتركها» للوجوب، وإن أراد الأُولى -وهو: «فليأخذها» - فلا تخيير فيها بمجرَّدها حتَّى يقول: ليس للتَّخيير، ثمَّ إنَّ «أو» ممَّا يشرك (٥) لفظًا


(١) في (د): «مسكن».
(٢) في (ب): «للرَّدِّ».
(٣) «على»: ليس في (د).
(٤) في (د) و (ص) و (م): «كلا».
(٥) في (د) و (ل): «يشترك».

<<  <  ج: ص:  >  >>