للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النِّيَّة بالخُلْف؛ لأنَّ خُلْف الوعد لا يقدح إلَّا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أمَّا لو كان عازمًا ثمَّ عرض له مانعٌ أو بدا له رأيٌ، فهذا (١) لم توجد منه صورة النِّفاق، وعند أبي داود والتِّرمذيِّ من حديث زيد بن أرقم: «إذا وعد الرَّجلُ أخاه ومن نيَّته أن (٢) يفي له فلم يفِ، فلا إثم عليه»، قال الكِرمانيُّ: والحقُّ أنَّها خمسةٌ متغايرةٌ عُرْفًا، وباعتبار تغاير الأوصاف واللَّوازم أيضًا، ووجه الحصر فيها أنَّ إظهار خلاف الباطن إمَّا في الماليَّات، وهو «إذا اؤتُمِن خان»، وإمَّا في غيرها، فهو إمَّا في حالة الكدورة، وهو «إذا خاصم فجر» (٣)، وإمَّا في حالة الصَّفاء فهو إمَّا مُؤكَّدة (٤) باليمين، وهو «إذا عاهد» أو لا، فهو إمَّا بالنَّظر إلى المستقبل، وهو «إذا وعد»، وإمَّا بالنَّظر إلى الحال، وهو «إذا حدَّث»، وقال البيضاويُّ: يحتمل أن يكون هذا مختصًّا بأبناء زمانه، فإنَّه علم بنور الوحي بواطن أحوالهم، وميَّز بين من آمن به صدقًا، ومن أذعن له نفاقًا، وأراد تعريف أصحابه عن حالهم (٥) ليكونوا على حذرٍ منهم، ولم يصرِّح بأسمائهم لأنَّه علم أنَّ منهم مَن سيتوب، فلم يفضحهم بين النَّاس، ولأنَّ عدم التَّعيين أوقعُ في النَّصيحة، وأجلبُ للدَّعوة إلى الإيمان، وأبعد عن النُّفور، ويحتمل أن يكون عامًّا لينزجر الكلُّ عن هذه الخصال على آكد وجهٍ، إيذانًا بأنَّها طلائع النِّفاق الذي هو أسمج القبائح، كأنَّه كفرٌ مُمَّوَهٌ باستهزاءٍ وخداعٍ مع ربِّ الأرباب، ومسبِّب الأسباب، فعُلِم من ذلك أنَّها منافيةٌ لحال المسلمين، فينبغي للمسلم ألَّا يرتع حولها، فإنَّ من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه. انتهى. وسُئِل الطِّيبيُّ: أيُّ الرَّذائل أقبح؟ فأجاب (٦): بأنَّه الكذب، قال: ولذلك علَّل عذابهم به في قوله: ﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة: ١٠] ولم يقل: بما كانوا يصنعون من النِّفاق، ليؤذن بأنَّ الكذب قاعدة مذهبهم وأسُّه (٧)، فينبغي للمؤمن المصدِّق أن يجتنب الكذب لأنَّه مُنافٍ لوصف الإيمان والتَّصديق، ومنه: الفجورُ في الخصومة.


(١) في (د): «إذًا».
(٢) في (د) و (ص) و (م): «أنَّه».
(٣) «فجر»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٤) في (ب) و (س): «مُؤكَّدٌ».
(٥) في (ص): «أحوالهم».
(٦) في غير (ب) و (س): «وأجاب».
(٧) في (د): «وأشدُّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>