للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثنتين لا ثلاثًا، أُجِيب: بأنَّ لازم الوعد الذي هو الإخلاف الذي قد يكون فعلًا، ولازم التَّحديث -الذي هو الكذب الذي لا يكون فعلًا- متغايران، فبهذا الاعتبار كان الملزومان متغايرين، وخُلْفُ الوعد لا يقدح إلَّا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أمَّا لو كان عازمًا، ثمَّ عرض له مانعٌ أو بدا له رأيٌ فهذا لم توجد منه صورة النِّفاق، وفي حديث الطَّبرانيِّ ما يشهد له حيث قال: «إذا وعد وهو يحدِّث نفسَه أنَّه يُخْلِفُ» وكذا قال في باقي الخصال، وإسناده لا بأسَ به، وهو عند التِّرمذيِّ وأبي داودَ مُختصَرًا بلفظ: «إذا وعد الرَّجلُ أخاه ومن نيِّته أن يَفِي له فلم يَفِ فلا إثمَ عليه»، وهذا في الوعد بالخير، أمَّا الشَّرُّ فيُستحَبُّ إخلافه، وقد يجب (وَ) الثَّالثة من الخصال (١): (إِذَا اؤْتُمِنَ) على صيغة المجهول من الائتمان أمانةً (خَانَ) بأن تصرَّف فيها على خلاف الشَّرع، ووجه الاقتصار على هذه الثَّلاث: أنَّها منبِّهةٌ على ما عداها؛ إذ أصل عمل الدِّيانة منحصرٌ في ثلاثٍ: القول والفعل والنِّيَّة، فنبَّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النِّيَّة بالخُلْف، وحينئذٍ فلا يُعارَض هذا الحديث بما وقع في الآتي بلفظ: «أربعٌ مَنْ كنَّ فيه» [خ¦٣٤] وفيه: «وإذا عاهد غدر» إذ هو معنى قوله: «وإذا اؤتُمِن خان» لأنَّ الغدرَ خيانةٌ، فإن قلت: إذا وُجِدت هذه الخصال في مسلمٍ فهل يكون منافقًا؟ أُجِيب: بأنَّها خصالُ نِفَاقٍ لا نِفَاقٌ، فهو على سبيل المجاز، أو المُرَاد: نفاق العمل لا نفاق الكفر، أو مُرَاده: مَنِ اتَّصف بها وكانت له ديدنًا وعادةً، ويدلُّ عليه التَّعبير بـ «إذا» المفيدة لتكرار الفعل، أو هو محمولٌ على من غلبت عليه هذه الخصال، وتهاون بها واستخفَّ بأمرها، فإنَّ من كان كذلك؛ كان فاسد الاعتقاد غالبًا، أو مُرَاده الإنذار والتَّحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وأنَّ الظَّاهر


(١) «من الخصال»: سقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>