للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهم أبو بكر الصِّدِّيق (فَقَالَ) (لِلْغُلَامِ) ابنِ عبَّاس: (إِنْ أَذِنْتَ لِي أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ) الأشياخَ القَدَحَ (فَقَالَ) الغلام: (مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَدًا، فَتَلَّهُ) بالمثنَّاة الفوقيَّة المفتوحة (١) وتشديد اللَّام، أي: رمى به (فِي يَدِهِ) أي: يد الغلام. قال الإسماعيليُّ: ليس في هذا الحديث هبة لا للواحد ولا للجماعة، وإنَّما هو شراب أُتِيَ به النَّبيُّ ، ثمَّ سُقِي على وجه الإباحة والإرفاق، كما لو قدَّم للضَّيف طعامًا يأكله، وليس قوله للغلام: «أتأذن لي؟» على جهة أنَّه حقٌّ له بالهبة، لكنَّ الحقَّ من جهة السُّنَّة في الابتداء به (٢)، وللأشياخ حقُّ السِّنِّ. وأجاب في «فتح الباري»: بأنَّ الحقَّ -كما قال ابن بَطَّال-: أنَّه سأل الغلام أن يهب نصيبه للأشياخ، وكان نصيبه منه مشاعًا غيرَ متميَّز، فدلَّ على صحَّة هبة المشاع.

ويُؤخذ من الحديث: تقديم الصَّغير على الكبير، والمفضول على الفاضل، إذا جلس على يمين الرَّئيس، فيكون مخصوصًا من عموم حديث ابن عبَّاس، عند أبي يَعلى بسندٍ قويٍّ، قال: كان رسول الله إذا سُقِيَ قال: «ابدؤوا (٣) بالأكبر» ويكون الأيمن ما امتاز بمجرَّد الجلوس في الجهة اليمنى، بل الخصوص كونها يمين الرَّئيس، والفضل إنَّما فاض عليه من الأفضل. قال الزَّركشيُّ: ويُؤخَذ منه أنَّه إذا تعارضت الفضيلة المتعلِّقة بالمكان والمتعلِّقة بالذَّات، تُقَدَّم المتعلِّقة بالذَّات، وإلَّا لم يستأذنه. قال في «المصابيح»: وقع في «النَّظائر والأشباه» لابن السُّبكيِّ: أنَّه بحث مرَّة مع أبيه الشَّيخ تقيِّ الدِّين السُّبكيِّ في صلاة الظُّهر بمِنى يومَ النَّحر: إذا جعلنا مِنى خارجةً عن حدود الحَرَم، أتكون أفضل من صلاتها في المسجد، لأنَّ النَّبيَّ صلّاها بمنًى، والاقتداء به أفضل، أو في المسجد لأجل المضاعفة؟ فقال: بل في منًى، وإن لم تحصل بها المضاعفة، فإنَّ في الاقتداء بأفعال الرَّسول من الخير ما يربو على المضاعفة.

وهذا الحديث قد سبق في «المظالم» [خ¦٢٤٥١] ويأتي إن شاء الله تعالى في «الأشربة» [خ¦٥٦٢٠].


(١) «المفتوحة»: مثبتٌ من (د ١) و (ص).
(٢) في غير (د): «الابتدائيَّة».
(٣) في (د): «ابدأ».

<<  <  ج: ص:  >  >>