حدَّثني طائفةً من الحديث، وبين قوله: وقد وعيت عن كلِّ واحد منهم الحديث، كما نبَّه عليه الكِرمانيُّ. والحاصل: أنَّ جميع الحديث عن مجموعهم، لا أنَّ مجموعه عن كلِّ واحد منهم (وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ) أي: قالوا: إنَّها (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا) أي: إلى سفر، فهو نصبٌ بنزع الخافض، أو ضمَّن «يخرج» معنى: «يُنشئ»، فالنَّصب على المفعوليَّة (١)(أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ) تطييبًا لقلوبهنَّ (فَأَيَّتُهُنَّ) بتاء التَّأنيث. قال الزَّركشيُّ -فيما نقله عنه في «المصابيح» ولم أره في النُّسخة الَّتي وقفت عليها من «التَّنقيح» - إنَّه الوجه، ويُروى:«فأيُّهنَّ» بدون تاء تأنيث، وتعقَّبه الدَّمامينيُّ، فقال: دعواه أنَّ الرِّواية الثَّانية ليست على الوجه خطأٌ؛ إذ المنصوص أنَّه إذا أريد بـ «أيِّ» المؤنَّث، جاز إلحاق التَّاء به موصولًا كان أو استفهامًا أو غيرهما. انتهى. ولم أقف على الرِّواية الثَّانية هنا. نعم، هي في تفسير سورة النُّور لغير أبي ذرٍّ، والمعنى: فأيُّ أزواجه (خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ) ولأبي ذر عن الحَمُّويي والمُستملي: «أخرج» بزيادة همزة، قال في «الفتح»: والأوَّل هو الصَّواب، ولعلَّ ذا الهمزة «أُخرِجَ» بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (فَأَقْرَعَ)﵊(بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا) هي غزوة بني المصطلق من خزاعة (فَخَرَجَ سَهْمِي) فيه إشعار بأنَّها كانت في تلك الغزاة وحدها، ويؤيِّده ما في رواية ابن إسحاق بلفظ: فخرج سهمي عليهنَّ فخرج بي معه، وأمَّا ما ذكره الواقديُّ من خروج أمِّ سلمة معه أيضًا في هذه الغزوة فضعيف.
قالت عائشة:(فَخَرَجْتُ مَعَهُ)﵊(بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ) أي: الأمر به (فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ) بضمِّ الهمزة فيهما، مبنيِّين للمفعول، والهودج -بهاء ودال مهملة مفتوحتين، بينهما واو ساكنة، آخره جيم- محمل له قبَّة تستر بالثِّياب ونحوها، يوضع على
(١) قال السندي في «حاشيته»: والأقرب أنَّه مفعول له، أي: يخرج لسفرٍ، أو حال، أي: مسافرًا، أو ذا سفر، والله تعالى أعلم.