للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أرواح الشُّهداء تسرح في الجنَّة» (أَوْ يَرْجِعَهُ) بفتح أوَّله، أي: أو أن يرجعه إلى مسكنه حال كونه (سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ) وحده (أَوْ غَنِيمَةٍ) مع أجرٍ، وحُذِفَ الأجرُ مِن الثَّاني للعِلْم به، إذ لا يخلو المجاهد عنه، فالقضيَّة مانعة الخلوّ لا مانعة الجمع، أو لنقصه بالنِّسبة إلى الأجر الَّذي بدون الغنيمة؛ إذ القواعد تقتضي أنَّه عند عدم الغنيمة أفضلُ منه وأتمُّ أجرًا عند وجودها. وقد روى مسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: «ما من غازيةٍ تغزو في سبيل الله، فيصيبون الغنيمة إلَّا تعجَّلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى (١) لهم الثُّلث، فإن لم يصيبوا غنيمةً تمَّ لهم أجرهم» فهذا صريحٌ ببقاء بعض الأجر مع حصول الغنيمة، فتكون الغنيمة في مقابلة جزءٍ من ثواب الغزو. وفي التَّعبير بثلثي الأجر حكمةٌ لطيفةٌ، وذلك أنَّ الله تعالى أعدَّ للمجاهد ثلاث كراماتٍ: دنيويَّتان وأخرويَّةٌ، فالدُّنيويَّتان السَّلامة والغنيمة، والأخرويَّة دخول الجنَّة، فإذا رجع سالمًا غانمًا، فقد حصل له ثلثا ما أعدَّ الله له، وبقي له عند الله الثُّلث، وإن رجع بغير غنيمةٍ عوَّضه الله عن ذلك ثوابًا في مقابلة ما فاته، وليس المراد ظاهر حديث الباب أنَّه إذا غنم لا يحصل له أجر، وقيل: إنَّ «أو» بمعنى الواو، وبه جزم ابن عبد البرِّ والقرطبيُّ، ورجَّحه التُّوربشتيُّ في «شرحه» لـ «المصابيح» والتَّقدير: بأجرٍ وغنيمةٍ، وكذا رواه مسلمٌ بالواو في بعض رواياته، ورواه الفِرْيابيُّ وجماعةٌ عن يحيى بن يحيى بصيغة «أو» وكذا مالكٌ في «موطَّئه»، ولم يختلف عليه إلَّا في رواية يحيى ابن بُكَيرٍ عنه بالواو، ولكنْ في رواية ابن (٢) بُكَيرٍ عن مالكٍ مقالٌ، وكذا وقع (٣) عند النَّسائيِّ وأبي داود بإسنادٍ صحيحٍ، فإن كانت هذه الرِّوايات محفوظة تعيَّن القول بأنَّ «أو» في هذا الحديث بمعنى الواو، كما هو مذهب نحاة الكوفة (٤)، لكن استشكله ابن دقيق العيد، من حيث إنَّه إذا كان المعنى يقتضي اجتماع الأمرين، كان ذلك داخلًا في الضَّمان، فيقتضي أنَّه لا بد من حصول الأمرين لهذا المجاهد، وقد لا يتَّفق له ذلك، فما فرَّ منه الَّذي ادَّعى أنَّ «أو» بمعنى: الواو، وقع في نظيره، لأنَّه يلزم على ظاهرها أنَّ من رجع بغنيمةٍ رجع بغير أجرٍ، كما يلزم على أنَّها بمعنى: الواو، وأنَّ كلَّ غازٍ يُجْمَع له بين


(١) في (د): «وبقي». وقوله: «من الآخرة» زيادة من صحيح مسلم.
(٢) «ابن»: سقط من (د).
(٣) «وقع»: سقط من (د).
(٤) في (د): «الكوفيين»، كذا في «الفتح».

<<  <  ج: ص:  >  >>