للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ) أي: متلبِّسين بأعمالكم (وَقَوْلُهُ ﷿ بالرَّفع أيضًا (١) عطفًا على المرفوع السَّابق: (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾) كان المؤمنون يقولون: لو علمنا أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ﴾ [الصف: ٤] فكرهوا القتال، فوعظهم الله وأدَّبهم، فقال: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾؟ (﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾) أي: عَظُم ذلك في البغض، وهذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه، قَصَدَ في ﴿كَبُرَ﴾ التَّعجُّب من غير لفظه، ومعنى التَّعجُّب: تعظيم الأمر في قلوب السَّامعين؛ لأنَّ التَّعجُّب لا يكون إلَّا من شيءٍ خارجٍ عن نظائره وأشكاله، وأُسنِدَ ﴿كَبُرَ﴾ إلى ﴿أَن تَقُولُوا﴾ ونصب ﴿مَقْتًا﴾ على تفسيره دلالةً على أنَّ قوله (٢): ﴿مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ مقتٌ خالصٌ لا شَوْب فيه، لفرط تمكُّن المقت منه، واختير لفظ المقت؛ لأنَّه أشدُّ البغض وأبلغه (﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ﴾) أي: في طاعته (﴿صَفًّا﴾) صافِّين أنفسهم (﴿كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٢ - ٤]) أي: كأنَّهم في تراصِّهم بنيانٌ رُصَّ بعضه إلى بعضٍ، والمراد: أنَّهم لا يزولون عن أماكنهم، ولفظ رواية أبي ذرٍّ بعد قوله: «﴿مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾»: إلى قوله: ﴿كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾»، فلم يذكر ما بينهما.

قال ابن المُنَيِّر (٣): ومناسبة الآية للتَّرجمة فيها خفاءٌ، وكأنَّه (٤) من جهة أنَّ الله تعالى عاتب من قال إنَّه يفعل الخير ولم يفعله، وأثنى على من وَفَى وثبت عند القتال، أو من جهة أنَّه أنكر على من قدَّم على القتال قولًا غير مرضيٍّ، ومفهومه: ثبوت الفضل في تقديم الصِّدق والعزم الصَّحيح على


(١) «أيضًا»: مثبتٌ من (م).
(٢) «قوله»: مثبتٌ من (م).
(٣) في (م): «المنذر» وليس بصحيحٍ.
(٤) في (م): «كأنها».

<<  <  ج: ص:  >  >>