وحملًا للمُطلَق على المُقيَّد (وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ) بنصب «قبلَ» على الظَّرفيَّة، و «أن»: مصدريَّةٌ، أي: قبل الدَّفن (فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ) من الأجر، فلو صلَّى وذهب إلى القبر وحده ثمَّ حضر الدَّفن لم يحصل له القيراط الثَّاني، كذا قاله النَّوويُّ، وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلَّا بطريق المفهوم، فإن ورد منطوقٌ بحصول القيراط بشهود الدَّفن وحده كان مُقدَّمًا، ويُجمَع حينئذٍ بتفاوت القيراط، ولو صلَّى ولم يُشيِّع رجع بالقيراط؛ لأنَّ كلَّ ما قبل الصَّلاة وسيلةٌ إليها، لكن يكون قِيراطُ مَنْ صلَّى دونَ قِيراطِ مَنْ شيَّع مثلًا وصلَّى، وفي «مسلمٍ»: «أصغرهما (١) مثل أُحُدٍ»، وهو يدلُّ على أنَّ القراريط تتفاوت، وفي رواية مسلمٍ أيضًا:«من صلَّى على جنازةٍ ولم يتَّبعها فله قيراطٌ»، لكن يحتمل أن يكون المُرَاد بـ «الاتِّباع» هنا ما بعد الصَّلاة، ولو تبعها ولم يصلِّ ولم يحضر الدَّفن فلا شيءَ له، بل حُكِيَ عن أَشْهَبَ كراهتُه، وسيأتي مزيدٌ لذلك إن شاء الله تعالى في «كتاب الجنائز»[خ¦١٣٢٣] بحول الله وقوَّته.
وفي الحديث: الحثُّ على صلاة الجنازة واتِّباعها، وحضور الدَّفن، والاجتماع لها، ورجاله كلُّهم بصريُّون غير أبي هريرة، واشتمل على التَّحديث والعنعنة، وأخرجه النَّسائيُّ في «الإيمان» و «الجنائز».
(تَابَعَهُ) أي: تابع روحًا في الرِّواية عن عوفٍ (عُثْمَانُ) بن الهيثم بن جَهْمٍ البصريُّ (المُؤَذِّنُ) بجامعها، المُتوفَّى لإحدى عَشْرَةَ ليلةً خلت من رجب سنة عشرين ومئتين، وفي رواية ابن عساكر:«قال أبو عبد الله -أي: البخاريُّ-: تابعه عثمان المؤذِّن»(قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ) الأعرابيُّ (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين، ولم يروه عن الحسن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)﵁(عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ) بالنَّصب، أي: بمعنى ما سبق لا بلفظه، وهذه المُتابَعة وصلها أبو نعيمٍ في «مُستخرَجه».