للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُربَط به الشَّيء، أي: يُشدُّ، فكأنَّه يربط نفسه عمَّا يشغله عن ذلك، أو أنَّه يربط فرسه الَّتي يقاتل عليها، وقول ابن حبيبٍ من المالكيَّة: ليس من سكن الرِّباط بأهله وماله وولده مرابطًا، بل من يخرج عن أهله وماله وولده قاصدًا للرِّباط، تعقَّبه في «الفتح» فقال: في إطلاقه نظرٌ، فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدوِّ، ومن ثمَّ اختار كثيرٌ من السَّلف سكنى الثُّغور.

(وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على «رباطِ» المجرور (١)، ولأبي ذَرٍّ: «﷿» بدل قوله: «تعالى»: (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ﴾) أي: على مشاقِّ الطَّاعات وما يصيبكم من الشَّدائد (﴿وَصَابِرُواْ﴾) وغالبوا أعداء الله في الصَّبر على شدائد الحرب (﴿وَرَابِطُواْ﴾) أبدانكم وخيولكم في الثُّغور مترصِّدين للغزو وأنفسكم على الطَّاعة، وفي «الموطَّأ» حديث أبي هريرة مرفوعًا: «وانتظار الصَّلاة فذلكم الرِّباط». وروى ابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن قال: أقبل عليَّ أبو هريرة يومًا فقال (٢): أتدري يا ابن أخي فيم أُنزِلت (٣) هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]؟ قلت: لا، قال: أَمَا إنَّه لم يكن في زمان النَّبيِّ غزوٌ يرابطون فيه، ولكنَّها نزلت في قومٍ يعمُرون المساجد يصلُّون الصَّلاة في مواقيتها، ثمَّ يذكرون الله فيها، ففيهم أُنزِلت (٤) ﴿اصْبِرُواْ﴾ على الصَّلوات الخمس، ﴿وَصَابِرُواْ﴾ أنفسكم وهواكم، ﴿وَرَابِطُواْ﴾ في مساجدكم. الحديث. وكذا رواه الحاكم بنحوه في «مستدركه»، لكن حَمْل الآية على الأوَّل أظهر كما قاله في «الفتح» وعلى تقدير تسليم أنَّه لم يكن في عهده (٥) رباطٌ، فلا يمنع ذلك من الأمر به (٦) والتَّرغيب فيه. انتهى. وعن محمَّد بن كعبٍ: اصبروا على دينكم، وصابروا لوعدي الَّذي وعدتكم به، ورابطوا عدوِّي وعدوَّكم حتَّى يترك دينه لدينكم (﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾) في جميع أموركم وأحوالكم (﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]) غدًا إذا لقيتموه تعالى، وفي رواية غير أبي ذرٍّ بعد قوله تعالى: ﴿اصْبِرُواْ﴾ «إلى آخر الآية» فحذف ما بينهما.


(١) في (د): «المذكور».
(٢) في (ص): «وقال».
(٣) في (م): «نزلت» كذا في تفسير ابن كثير.
(٤) في (م): «نزلت».
(٥) في (م): «عهد النَّبيِّ».
(٦) «به»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>