للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والنَّبيُّ تقدَّم غيره عليه بصورة الزَّمان، لكنَّ المتقدِّم عليه مأخوذٌ عهده أن يؤمن به وينصره كآحاد أمَّته، ولذلك ينزل عيسى ابن مريم (١) مأمومًا، فهم في الصورة أمامه، وفي الحقيقة خلفه، فناسب ذلك قوله: «يقاتل من ورائه» وهذا كما تراه في غايةٍ من التَّكلُّف، والظَّاهر أنَّه إنَّما ذكره جريًا على عادته أن يذكر الشَّيء كما سمعه جملةً (٢) لتضمُّنه معنى (٣) الدَّلالة المطلوبة منه وإن لم يكن باقيه مقصودًا.

(وَبِهَذَا الإِسْنَادِ) السَّابق قال : (مَنْ أَطَاعَنِي) فيما أَمرتُ به (٤) (فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ) لأنَّه في الحقيقة مبلِّغٌ، و (٥) الآمر هو الله ﷿ (وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ) أمير السريَّة أو الأمراء مطلقًا فيما يأمرونه (٦) به (فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ (٧) الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي) قيل: وسبب قوله ذلك أنَّ قريشًا ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة، ولا يطيعون غير رؤساء قبائلهم، فأعلمهم أنَّ طاعة الأمراء حقٌّ واجبٌ (وَإِنَّمَا الإِمَامُ) القائم بحقوق الأنام (جُنَّةٌ) بضمِّ الجيم وتشديد النُّون، سترةٌ ووقايةٌ يمنع العدوَّ من أذى المسلمين، ويحمي بيضة الإسلام (يُقَاتَلُ) بضمِّ أوَّله مبنيًّا للمفعول، معه الكفَّار والبغاة (مِنْ وَرَائِهِ) أي: أمامه، فعبَّر بالوراء عنه كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٩] أي: أمامهم (٨)، فالمراد المقاتلة للدَّفع عن الإمام، سواء كان ذلك من خلفه حقيقةً أو قدَّامه، فإن لم يقاتل من ورائه، وأبى (٩) عليه مرج أمر


(١) «ابن مريم»: ليس في (د ١) و (ص) و (م).
(٢) «جملة»: ليس في (م).
(٣) في غير (ص): «موضع».
(٤) في (د ١) و (م): «أمرته»، و «به»: ليس في (د ١) و (ص).
(٥) في (د): «إذ».
(٦) في (ل): «يأمروه»،.
(٧) في (د): «عصى».
(٨) قال السندي في «حاشيته»: قوله: (الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ): قال القسطلاني تبعًا لغيره قوله: (من ورائه)؛ أي: أمامه، فعبَّر عن الأمام بالوراء، كما في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ﴾ أي: أمامهم. انتهى. قلت: وهذا بعيدٌ لا يناسب السَّابق وهو (جُنَّة) ولا اللَّاحق وهو قوله: (يتَّقى به)، والوجه أنَّ وراء بمعناه، والمقصود يتَّبع أمره ونهيه وتدبيره في القتال، ويمشي تابعًا إيَّاه بحيث كأنَّ الإمام هو قدامه، والله تعالى أعلم.
(٩) في (د) و (م): «وأتى».

<<  <  ج: ص:  >  >>