للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عرفيٌّ والثَّاني شرعيٌّ، أو الأوَّل دنيويٌّ والثَّاني دينيٌّ (ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا) بعد أن يَصْدُقَها (فَلَهُ أَجْرَانِ) أجر العتق وأجر التَّزويج، وإنَّما اعتبرهما لأنَّهما الخاصَّان (١) بالإماء دون السَّابقين (وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ) اليهوديُّ والنصرانيُّ (الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا) بنبيِّه موسى وعيسى (ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ) محمَّدٍ () في عهد بعثته أو بعدها إلى يوم القيامة، جزم الكِرمانيُّ -وتبعه العينيُّ- بالأوَّل معلِّلًا: بأنَّ نبيَّه بعد البعثة إنَّما هو محمَّدٌ باعتبار عموم بعثته ، ولا يخفى ما فيه، فإنَّ بعثته في عهده وبعده عامَّةٌ لا فرق بينهما، وجزم بالثَّاني الإمام البلقينيُّ وتبعه الحافظ ابن حجرٍ عملًا بظاهر اللَّفظ، وفي كلٍّ منهما نظرٌ؛ لأنَّا إذا قلنا: إنَّ بعثته قاطعةٌ لدعوة عيسى، فلا نبيَّ للمؤمن من أهل الكتاب إلَّا محمَّدٌ ، وحينئذٍ فالإيمان إنَّما هو بمحمَّدٍ فقط؛ فكيف ترتَّب الأجر مرَّتين؟! أُجيبَ: بأنَّ مؤمن أهل الكتاب لا بدَّ أن يكون مع إيمانه بنبيِّه مؤمنًا بمحمَّدٍ ؛ للعهد المتقدِّم والميثاق في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ﴾ الاية [آل عمران: ٨١] المفسَّر بأخذ الميثاق من النَّبيِّين وأممهم مع وصفه تعالى له في التَّوراة والإنجيل، فإذا بُعِث فالإيمان (٢) به مستمرٌّ. فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت فكيف تعدَّد إيمانه حتَّى تعدَّد أجره؟ أُجيبَ: بأنَّ إيمانه أوَّلًا تعلَّق بأنَّ الموصوف بكذا رسول، وإيمانه ثانيًا تعلَّق بأنَّ محمَّدًا هو الموصوف بتلك الصِّفات، فهما معلومان متباينان فجاء التَّعدُّد (فَلَهُ أَجْرَانِ) أجر الإيمان بنبيِّه وأجر الإيمان بمحمَّدٍ ، وكذا حكم الكتابيَّة؛ إذ (٣) النِّساء شقائق الرِّجال في الأحكام. واستُشكِلَ دخول اليهود في ذلك لأنَّ شرعهم نُسِخ بعيسى ، والمنسوخ لا أجر في العمل به، فيختص الأجران (٤) بالنَّصرانيِّ. وأجيب: بأنَّا لا نسلِّم أنَّ النَّصرانيَّة ناسخةٌ لليهوديَّة. نعم، لو ثبت ذلك لكان كذلك، كذا قرَّره الكِرمانيُّ وتبعه البرماويُّ وغيره، لكن قال في «الفتح»: لا خلاف أنَّ عيسى أرسل إلى بني إسرائيل، فمَن أجاب منهم نُسِب إليه، ومَن كذَّب منهم واستمرَّ على يهوديَّته لم يكن مؤمنًا، فلا يتناوله الخبر لأنَّ


(١) في (ص): «الخاصَّات»، وهو تحريفٌ.
(٢) في (د) و (ص) و (م): «فإيمانه».
(٣) في (د ١) و (ص) و (م): «لأنَّ».
(٤) في غير (ب) و (س): «الأجر» وليس بصحيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>