للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَلَكٌ لا بشرٌ (فَقَالَ) : (هَذَا) ولكريمة: «إنَّ هذا» (جِبْرِيلُ) (جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ) أي: قواعد دينهم، وهي جملةٌ وقعت حالًا مُقدَّرةً لأنَّه لم يكن مُعلِّمًا وقت المجيء، وأَسْنَدَ التَّعليمَ إليه -وإن كان سائلًا- لأنَّه لمَّا كان السَّبب فيه أسنده إليه، أو أنَّه كان من غرضه، وللإسماعيليِّ: «أراد أن تَعلَّموا إذ لم تسألوا»، وفي حديث أبي عامرٍ: «والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده؛ ما جاءني قطُّ إلَّا وأنا أعرفه، إلَّا أن تكون هذه المرَّة»، وفي رواية سليمانَ التَّيميِّ: «ما شُبِّهَ عليَّ منذ أتاني قبل مرَّتي هذه، وما عرفته حتَّى ولَّى».

(قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ رحمه الله تعالى: (جَعَلَ) النَّبيُّ (ذَلِكَ) المذكور في هذا الحديث (كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ) أي: الكامل المشتمل على هذه الأمور كلِّها، وفي هذا الحديث: بيان عِظَمِ الإخلاص والمُرَاقَبَة، وفيه: أنَّ العالِمَ إذا سُئِلَ عمَّا لا يعلمه يقول: لا أدري، ولا يُنْقِصُ ذلك من جلالته، بل يدلُّ على ورعه وتقواه ووفور علمه، وأنَّه يسأل العالِمَ لِيعلمَ السَّامعون، ويحتمل أنَّ في سؤال جبريلَ النَّبيَّ في حضور الصَّحابة أنَّه يريد أنْ يُرِيَهم أنَّه مليءٌ من العلوم، وأنَّ علمه مأخوذٌ من الوحيِ، فتزيد رغبتهم ونشاطهم فيه، وهو المعنيُّ بقوله: «جاء يعلِّم النَّاس دينَهم»، وأنَّ الملائكة تَمثَّلُ بأيِّ صورةٍ شاؤوا من صور بني آدم، وأخرجه المؤلِّف في «التَّفسير» [خ¦٤٧٧٧] وفي «الزَّكاة» مُختصرًا [خ¦١٣٩٧]، ومسلمٌ في «الإيمان»، وابن ماجه في «السُّنَّة» بتمامه، وفي «الفتن» ببعضه، وأبو داود في «السُّنَّة»، والنَّسائيُّ في «الإيمان»، وكذا التِّرمذيُّ، وأحمد في «مُسنَده»، والبزَّار بإسنادٍ حسنٍ، وأبو عوانة في «صحيحه»، وأخرجه مسلمٌ أيضًا عن عمر بن الخطَّاب، ولم يخرجه البخاريُّ لاختلافٍ فيه على بعض رواته، وبالجملة: فهو حديثٌ جليلٌ، حتَّى قال القرطبيُّ: يصلح أن يُقَال له: أمُّ السُّنَّة لِمَا تضمَّنه من جُمَلِ علمها، وقال عياضٌ إنَّه اشتمل على جميع وظائف العبادات الظَّاهرة والباطنة من عقود الإيمان، ابتداءً وحالًا ومآلًا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السَّرائر، والتَّحفُّظ من آفات الأعمال، حتَّى إنَّ علوم الشَّريعة كلَّها راجعةٌ إليه ومتشعِّبةٌ منه. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>