للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(نَزَلُوا عَلَى (١) حُكْمِكَ) فيهم (قَالَ) سعدٌ: (فَإِنِّي أَحْكُمُ) فيهم (أَنْ تُقْتَلَ) الطَّائفة (المُقَاتِلَةُ) منهم وهم الرِّجال (وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ) أي: النِّساء والصِّبيان (قَالَ) : (لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ المَلِكِ) بكسر اللَّام، أي: بحكم الله. ونقل القاضي عياضٌ: أنَّ بعضهم ضبطه في «البخاريِّ» بكسر اللَّام وفتحها، فإن صحَّ الفتح فالمراد به جبريل، يعني: بالحكم الَّذي جاء به الملَك عن الله، وعُورضَ: بأنَّه لم يُنقَل نزول ملكٍ في ذلك (٢) بشيءٍ، ولو نزل بشيءٍ؛ اتُّبِعَ وتُرِكَ الاجتهاد، وبأنَّه: ورد في بعض ألفاظ الصَّحيح: «قضيت بحكم الله» [خ¦٤١٢١]. نعم، ورد في غير «البخاريِّ» ممَّا ذكره بعضهم: أنَّه قال في حكم سعدٍ بذلك: «طرقني الملَك سَحَرًا».

قال ابن المُنَيِّر: ويُستفاد من هذا الحديث لزوم حكم المحكَّم برضا الخصمين، سواءٌ كان في أمور الحرب أو غيرها، وهو ردٌّ على الخوارج الَّذين أنكروا التَّحكيم على عليٍّ ، وفيه أيضًا تصحيح القول: بأنَّ المصيب واحدٌ، وأنَّ المجتهد ربَّما أخطأ ولا حرج عليه، ولهذا قال : «لقد حكمت بحكم الملك»، فدلَّ ذلك على أنَّ حكم الله في الواقعة متقرِّرٌ، فمن أصابه (٣) فقد أصاب الحقَّ، ولولا ذلك لم يكن لسعدٍ مزيَّةٌ في الصَّواب، لا يقال: كانت المسألة قطعيَّةً، والمسائل القطعيَّة لله فيها حكمٌ واحدٌ، لأنَّا نقول: بل كانت اجتهاديَّةً ظَنِّيَّةً، ولهذا كان رأي الأنصار أن يُعفى عن اليهود خلافًا لسعدٍ، وما كان الأنصار ليتَّفق أكثرهم على خلاف الصَّواب قطعًا، وفيه: جواز الاجتهاد في زمنه وبحضرته، فكيف بعد وفاته؟! وفيه: أنَّه يُسوَّغ للإمام الأعظم إذا كانت له حكومةٌ في نفسه أن يولِّي نائبًا يحكم بينه وبين خصمه للضَّرورة، وينفذ ذلك على خصمه إذا كان عدلًا، ولا يقدح فيه أنَّه حكم له وهو نائبه، نقله في «المصابيح».

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «فضائل سعدٍ» [خ¦٣٨٠٤] و «الاستئذان» [خ¦٦٢٦٢] و «المغازي» [خ¦٤١٢١]، ومسلمٌ في «المغازي»، وأبو داود في «الأدب»، والنَّسائيُّ في «المناقب» و «السِّيَر» و «الفضائل».


(١) في (م): «في».
(٢) زيد في (د): «الوقت».
(٣) في (د): «أصاب».

<<  <  ج: ص:  >  >>