للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] أي: رجلًا، ويمكن أن يُقَال: لم يُرِدْ بتقدير نيَّةً وعقدًا في الأوَّل، وحكمًا وشرعًا في الثَّاني أنَّ هناك لفظًا محذوفًا، بل أراد بيان المعنى ومُغايَرَة الأوَّل للثَّاني، وتأوَّله بعضهم على إرادة المعهود المُستقرِّ في النُّفوس، فإنَّ المُبتدَأ والخبر، وكذلك الشَّرط والجزاء، قد يتَّحدان لبيان الشُّهرة وعدم التَّغيير، وإرادة المعهود المستقرِّ في النَّفس، ويكون ذلك للتَّعظيم، وقد يكون للتَّحقير، وذلك بحسب المقامات والقرائن، فَمِنَ الأوَّل قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة: ١٠] وقوله : «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله»، ومن الثَّاني قوله: (وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا) وفي روايةٍ لأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر وكريمة (١): «إلى دنيا» (يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) أي: إلى ما ذكر، واستُشكِل: استعمال «دنيا» لأنَّها في الأصل مُؤنَّث «أدنى»، و «أدنى» «أَفْعَلْ» تفضيل مِنَ الدُّنوِّ، و «أَفْعَل» التَّفضيل إذا نُكِّر لزم الإفراد والتَّذكير، وامتنع تأنيثه وجمعه، ففي استعمال «دنيا» بالتَّأنيث مع كونه مُنكَّرًا إشكالٌ؛ ولهذا لا يُقَال: قُصْوَى ولا كُبْرَى، وأجاب ابن مالكٍ بأنَّ «دنيا» خُلِعَت عن الوصفيَّة غالبًا، وأُجْرِيتْ مجرى ما لم يكن قطُّ وصفًا ممَّا وزنه «فُعْلَى»، كرُجْعَى وبُهْمَى فلهذا ساغ فيها ذلك. ثمَّ إنَّ غرض المؤلِّف من إيراد هذا الحديث هنا الرَّدُّ على من زعم من المرجئة أنَّ الإيمان قولٌ باللِّسان دون عقد القلب، فبيَّن أنَّ الإيمان لا بدَّ له من نيَّةٍ واعتقاد قلبٍ، فافهم. وإنَّما أبرز الضَّمير في الجملة الأولى لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله، وعِظَمِ شأنهما:

أَعِدْ ذكرَ نعمانَ لنا إنَّ ذكرَهُ … هو المسكُ ما كرَّرته يَتَضوَّعُ


(١) «وكريمة»: سقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>