للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يا رسول الله إنِّي إذا رأيتك طابت نفسي وقرَّت عيني، أنبئني عن (١) كلِّ شيءٍ. قال: كلُّ شيءٍ خُلِق من الماء» وهذا يدلُّ على أنَّ الماء أصلٌ لجميع المخلوقات ومادَّتها، وأنَّ جميع المخلوقات خُلِقت منه. وروى ابن جريرٍ وغيره عن ابن عبَّاسٍ : «أنَّ الله ﷿ كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء، فلمَّا أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانًا فارتفع فوق الماء فسما عليه، فسُمِّي سماءً (٢)، ثمَّ أَيْبَسَ الماء فجعله أرضًا واحدةً، ثمَّ فتقها فجعلها سبع أرضين، ثمَّ استوى إلى السَّماء وهي دخانٌ، فكان ذلك الدُّخان من نَفَس الماء حين تنفَّس، ثمَّ جعلها سماءً واحدةً، ثمَّ فتقها فجعلها سبع سمواتٍ» وقال الله تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء﴾ [النور: ٤٥] وقول من قال: «إنَّ المرادَ بالماء النُّطفة الَّتي يُخلَق منها الحيوانات» بعيدٌ لوجهين. أحدهما: أنَّ النُّطفة لا تُسمَّى ماءً مطلقًا بل مُقيَّدًا كقوله: ﴿خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق: ٦ - ٧]. والثَّاني: أنَّ (٣) من الحيوانات ما يتولَّد من غير نطفةٍ، كدود الخلِّ والفاكهة، فليس كلُّ حيوانٍ مخلوقًا من نطفةٍ، فدلَّ القرآن على أنَّ كلَّ ما يدبُّ وكلَّ ما فيه حياةٌ من الماء، ولا ينافي هذا قوله: ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر: ٢٧] وقوله : «خُلِقت الملائكة من نورٍ» فقد دلَّ ما سبق: أنَّ أصل النُّور والنَّار الماء، ولا يُستنكَر خلق النَّار من الماء، فإنَّ الله تعالى جَمَعَ بقدرته بين الماء والنَّار في الشَّجر الأخضر، وذكر الطَّبائعيُّون: أنَّ الماء بانحداره يصير بخارًا، والبخار ينقلب هواءً، والهواء ينقلب نارًا (وَكَتَبَ) أي: قدَّر (فِي) محلِّ (الذِّكْرِ) وهو اللَّوح المحفوظ (كُلَّ شَيْءٍ) من الكائنات (وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَنَادَى مُنَادٍ) لم يُسَمَّ: (ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الحُصَيْنِ، فَانْطَلَقْتُ) خلفها (فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ) رفعٌ على الفاعليَّة، وهو بالمُهمَلة، الَّذي تراه نصف النَّهار كأنَّه ماءٌ، والمعنى: فإذا هي يحول بيني وبين رؤيتها السَّراب (فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ) بكسر الدَّال الأولى (أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا) ولم


(١) زيد في (د): «أصل».
(٢) «فسُمِّي»: سقط من (م).
(٣) «أنَّ»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>