للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(غَضَبِي) والمراد من الغضب لازمُه، وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب، لأنَّ السَّبق والغلبة باعتبار التَّعلُّق، أي: تعلُّق الرَّحمة غالبٌ سابقٌ على تعلُّق الغضب، لأنَّ الرَّحمة مقتضى ذاته المُقدَّسة، وأمَّا الغضب فإنَّه متوقِّفٌ على سابقة عملٍ من العبد الحادث. وقال التُّورِبشتيُّ: وفي سبق الرَّحمة بيانُ أنَّ قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وإنَّما (١) تنالهم من غير استحقاق، وأنَّ الغضب لا ينالهم إلَّا باستحقاقٍ (٢)، ألا ترى أنَّ الرَّحمة تشمل الإنسان جنينًا ورضيعًا وفطيمًا وناشئًا من غير (٣) أن يصدر منه شيءٌ من الطَّاعة (٤)، ولا يلحقه الغضب إلَّا بعد أن يصدر عنه من المخالفات ما يستحقُّ ذلك. وقال في «المصابيح»: الغضب إرادة العقاب، والرَّحمة إرادة الثَّواب، والصِّفات لا تُوصَف بالغلبة، ولا يسبق بعضها بعضًا، لكن جاء هذا على الاستعارة، ولا يمتنع أن تُجعَل الرَّحمة والغضب من صفات الفعل لا الذَّات، فالرَّحمة هي الثَّواب والإحسان، والغضب هو الانتقام (٥) والعقاب، فتكون الغلبة على بابها، أي: إنَّ رحمتي أكثر من غضبي، فتأمَّله. وقال الطِّيبيُّ: وهو على (٦) وزان قوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ١٢] أي: أوجب وعدًا أن يرحمهم قطعًا، بخلاف ما يترتَّب عليه مقتضى الغضب (٧) والعقاب، فإنَّ الله تعالى كريمٌ يتجاوز (٨) بفضله، وأنشد (٩):

وإنِّي إذا أوعدْتُه أو وعدْتُهُ … لَمُخلِفُ إيعادي ومنجِزُ مَوعدي (١٠)

وفي هذا الحديث: تقدُّم خلق العرش على القلم الَّذي كتب المقادير، وهو مذهب الجمهور،


(١) في (ب) و (س): «وإنَّها».
(٢) في (د): «بالاستحقاق».
(٣) في (ص) و (ل): «قبل».
(٤) في (د): «الطَّاعات».
(٥) في (ب): «الانتفاع» ولعلَّه تحريفٌ.
(٦) «على»: ليس في (د).
(٧) في (د): «العذاب».
(٨) زيد في غير (د) و (م): «عنه».
(٩) في (م): «وأنشدوا».
(١٠) قوله: «وقال الطِّيبيُّ: وهو على … إيعادي ومنجِزُ مَوعدي» جاء في (ص) بعد قوله: «يستحقُّ ذلك» السَّابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>