للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فركبت الأصفر، فهي تستتر (١) باللَّيل، لسكون الخلق، وتظهر بالنَّهار لمعايشهم، فتارةً تبعد ليرطب الجوُّ، وينعقد الغيم، ويبرد الهواء ويبرز النَّبات، وتارةً تقرب ليجفَّ الحبُّ، وينضج الثَّمر. وقوله تعالى: (﴿سَابِقُ النَّهَارِ﴾) يريد: قوله تعالى: ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] قال مجاهدٌ فيما وصله الفريابيُّ أيضًا: (يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَانِ) أي: سريعان، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: «حثيثين» بالنَّصب بالياء، أي (٢): فلا تسبق آيةُ اللَّيل آيةَ النَّهار، وهما النَّيِّران (﴿نَسْلَخُ﴾ [يس: ٣٧]) أي: (نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ) قال ابن كثيرٍ: والمعنى في هذا: أنَّه لا فترة بين اللَّيل والنَّهار، بل كلٌّ منهما يعقب الآخر بلا مهلةٍ (٣) ولا تراخٍ، لأنَّهما مُسخَّران دائبين يتطالبان طلبًا حثيثًا، وقال في «الانتصاف»: يُؤخَذ من قوله تعالى: ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ أنَّ النَّهار تابعٌ للَّيل (٤)؛ إذ جعل الشَّمس الَّتي هي آية النَّهار غير مدركةٍ للقمر الَّذي هو آية اللَّيل، فنفى الإدراك الَّذي يمكن أن يقع، وهو يستدعي تقدُّم القمر وتبعيَّة الشَّمس، فإنَّه لا يُقال: أدرك السَّابقُ اللَّاحقَ، لكن يُقال: أدرك اللَّاحقُ السَّابق، فالليل إذًا متبوعٌ والنَّهار تابعٌ. فإن قيل: فالآية مصرِّحةٌ بأنَّ اللَّيل لا يسبق النَّهار. فجوابه: أنَّه مشترك الإلزام؛ إذ الأقسام المحتملة ثلاثةٌ: إمَّا تبعيَّة النَّهار للَّيل (٥) كمذهب الفقهاء، أو عكسه وهو منقولٌ عن طائفةٍ من النُّحاة، أو اجتماعهما (٦) فهذا القسم الثَّالث منفيٌّ بالاتِّفاق، فلم يبقَ إلَّا تبعيَّة النَّهار للَّيل (٧) وعكسه، والسُّؤال واردٌ (٨) عليهما لا سيَّما من قال: إنَّ النَّهار سابقُ اللَّيلِ يلزم من طريق البلاغة أن يقول: ولا اللَّيل يدرك النَّهار، فإنَّ المتأخِّر إذا نُفِي إدراكه كان أبلغ من نفي


(١) في (س): «تُستَر»، وفي (ص): «تتستَّر»، وفي (م): «تسير».
(٢) في (م): «بالنَّصب باليائين»، و «أي»: ليس في (د).
(٣) في (ب): «مهملةٍ» وهو تحريفٌ.
(٤) في (ص) و (م): «اللَّيل».
(٥) في (ب) و (م): «اللَّيل».
(٦) في غير (ب) و (د): «واجتماعهما».
(٧) في (د) و (م): «اللَّيل».
(٨) في (م): «ورد».

<<  <  ج: ص:  >  >>