للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بفظٍّ ولا غليظٍ» (١) وأجاب الزُّركشيُّ: بأنَّ «أفعل» التَّفضيل قد يجيء لا (٢) للمشاركة في أصل الفعل؛ كقولهم: العسل أحلى من الخلِّ، قال في «المصابيح»: وهو كلامٌ إقناعيٌّ لا تحرير فيه، وتحريره: أنَّ لـ «أفعل» حالاتٍ (٣):

إحداها -وهي الأصليَّة-: أن يدلَّ على ثلاثة أمورٍ: أحدها: اتِّصافُ من هو له بالحدث الَّذي اشتُقَّ منه، وبهذا المعنى كان وصفًا، والثَّاني: مشاركة مصحوبه له في تلك الصِّفة، والثَّالث: تمييز موصوفه على مصحوبه فيها، وبكلٍّ من هذين المعنيين فارق غيره من الصِّفات.

الحالة الثَّانية: أن يبقى على معانيه الثَّلاثة، ولكن يُخلَع منه قيد المعنى الثَّاني ويخلفه قيدٌ (٤) آخر، وذلك أنَّ المعنى الثَّاني -وهو الاشتراك- كان مُقيَّدًا بتلك الصِّفة الَّتي هي المعنى الأوَّل، فيصير مقيَّدًا بالزِّيادة الَّتي هي المعنى الثَّالث. ألا ترى أنَّ المعنى في قولهم: «العسل أحلى من الخلِّ» أنَّ (٥) للعسل حلاوةً، وأنَّ تلك الحلاوة ذات زيادةٍ، وأنَّ زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخلِّ؟ قاله ابن هشامٍ في «حاشية التَّسهيل» وهو بديعٌ (٦) جدًّا.

الحالة الثَّالثة: أن يُخلَع منه المعنى الثَّاني وهو المشاركة، وقيد المعنى الثَّالث وهو كون الزِّيادة على مصاحبه (٧)، فيكون للدَّلالة على الاتِّصاف بالحدث وعلى زيادةٍ مطلقةٍ لا مقيَّدةٍ، وذلك نحو قولك: يوسف أحسن إخوته. انتهى (٨).

وحاصله: أنَّ الأفظَّ هنا بمعنى: فظٍّ. قال في «الفتح»: وفيه نظرٌ للتَّصريح بالتَّرجيح المقتضي لحمل «أفعل» على بابه، والجواب: أنَّ الَّذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفةً


(١) هو في البخاري (٢١٢٥) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٢) «لا»: سقط من (م).
(٣) في (م): «حالان» وهو تصحيفٌ.
(٤) في (م): «فيه».
(٥) في (م): «أي».
(٦) في (ب): «بعيدٌ» وهو خطأٌ.
(٧) في (ص): «صاحبه».
(٨) هذه حالات ثلاثة، وفي المصابيح أربع حالات راجعها فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>