للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«أراه أحدكم» (فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا) بأن يُخرِج ما في أنفه من أذًى بنفسه بعد الاستنشاق، لِمَا فيه من تنقية مجرى النَّفس الَّذي به تلاوة القرآن، وبإزالة ما فيه تصحُّ مجاري الحروف (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) حقيقةً، لأنَّ الأنف أحد المنافذ الَّتي يتوصَّل منها إلى القلب، لاسيَّما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلقٌ سواه وسوى الأُذنين، وقد جاء في التَّثاؤب الأمرُ بكظمه من أجل دخول الشَّيطان حينئذٍ في الفم، ويحتمل أن يكون على الاستعارة، فإنَّه ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذرٌ يوافق الشَّيطان، قاله القاضي عياضٌ. وقال التُّورِبشتيُّ والبيضاويُّ: الخيشوم هو أقصى الأنف المتَّصل بالبطن المقدَّم من الدِّماغ، الَّذي هو موضع الحسِّ المشترك ومستقرُّ الخيال، فإذا نام تجتمع فيه الأخلاط وييبس عليه المخاط، ويَكِلُّ الحسُّ، ويتشوَّش الفكر، فيرى أضغاث أحلامٍ، فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمرَّ الكسل والكلال، واستعصى عليه النَّظر الصَّحيح، وعسر الخضوع والقيام على حقوق الصَّلاة وأدائها. ثمَّ قال التُّورِبشتيُّ: ما ذُكِر هو من طريق الاحتمال، وحقُّ الأدب دون الكلمات النَّبويَّة -الَّتي هي مخازن الأسرار (١) الرُّبوبيَّة ومعادن الحكم الإلهيَّة- ألَّا يتكلَّم في هذا الحديث وأخواته بشيءٍ، فإنَّ (٢) الله تعالى خصَّ رسوله (٣) بغرائب المعاني، وكاشفه عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه باع الفهم، ويَكِلُّ عن إدراكه بصر العقل. انتهى.

وظاهر الحديث يقتضي أن يحصل هذا لكلِّ نائمٍ، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بمن لم يحترز من الشَّيطان بشيءٍ من الذِّكر، كما في حديث آية الكرسيِّ [خ¦٢٣١١]: «ولا يقرَبك شيطانٌ» وسقط للمُستملي قوله «يبيت» (٤).

وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ والنَّسائيُّ في «الطَّهارة».


(١) في (ب) و (س): «لأسرار».
(٢) في (س): «لأنَّ».
(٣) في (د ١) و (س) و (م): «رسول الله».
(٤) قوله: «وسقط للمُستملي … يبيت»: جاء في غير (ب) و (س) بعد قوله الآتي: «والنَّسائيُّ في الطَّهارة»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>