للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في (١) كلمات إبراهيم الثَّلاث الَّتي قال: «ما منها كلمةٌ إلَّا ماحلَ بها عن دين الله» أي: جادل ودافع، وفي حديث ابن عبَّاسٍ (٢) عند أحمد: «والله إن جادل بهنَّ إلَّا عن دين الله تعالى»، وقال ابن عقيلٍ: دلالة العقل تَصْرِفُ ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أنَّ (٣) العقل قطع بأنَّ الرَّسول ينبغي أن يكون موثوقًا به ليُعلَم صدقُ ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنَّما أطلق عليه ذلك (٤) لكونه بصورة الكذب عند السَّامع، وعلى كلِّ تقديرٍ فلم يصدر من إبراهيم إطلاق الكذب على ذلك، أي: حيث يقول في حديث الشَّفاعة: «وإنِّي كنت كذبت ثلاث كذباتٍ» إلَّا في حال شدَّة الخوف لعلوِّ مقامه، وإلَّا فالكذب في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمُّل أخفِّ الضَّررين دفعًا لأعظمهما، وقد اتَّفق الفقهاء فيما لو طلب ظالمٌ وديعةً عند إنسانٍ ليأخذها غصبًا وجب على المُودَع عنده أن يكذب بمثل أنَّه لا يعلم موضعها، بل يحلف على ذلك، ولمَّا كان ما صدر من الخليل مفهوم ظاهره خلاف باطنه، أشفق أن يُؤاخَذ به، لعلوِّ حاله، فإنَّ الَّذي كان (٥) يليق بمرتبته (٦) في النُّبوَّة والخلَّة أن يصدع بالحقِّ ويصرِّح بالأمر كيفما كان، ولكنَّه رُخِّصَ له فقبل الرُّخصة، ولذا يقول عندما يُسأَل في الشَّفاعة: إنَّما كنت خليلًا من وراء (٧) وراء، ويُستفاد


(١) «في»: ليس في (م).
(٢) في (ب): «مسعودٍ» وليس بصحيحٍ.
(٣) في (م): «بأنَّ».
(٤) في (ص): «الكذب».
(٥) «كان»: ليس في (م).
(٦) في (م): «برتبته».
(٧) زيد في (ص): «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>