للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تأتيه الحمَّى في ذلك الوقت- فبعيدٌ، لأنَّه لوكان كذلك لم يكن كذبًا، لا تصريحًا ولا تلويحًا (١).

(وَ) الثَّانية: (قَولُهُ) لمَّا كسر آلهتهم كسرًا وقطعًا إلَّا كبيرًا لهم فاستبقاه، وكانت -فيما قيل- اثنين وسبعين صنمًا، بعضها من ذهبٍ وبعضها من فضَّةٍ وبعضها من حديدٍ وبعضها من رصاصٍ وحجرٍ وخشبٍ، وكان الكبير من الذَّهب مُرصَّعًا بالجواهر، وفي عينيه (٢) ياقوتتان تتَّقدان، وجعل الفأس في عنقه لعلَّهم إليه يرجعون فيسألونه: ما بال هؤلاء مُكسَّرين وأنت صحيحٌ والفأس في عنقك؟ إذ من شأن المعبود أن يُرجَع إليه، أو المراد: أنَّهم يرجعون إلى إبراهيم لتفرُّده واشتهاره بعداوة آلهتهم فيحاججهم (٣)، أو يرجعون إلى توحيد الله عند تحقُّقهم عجز آلهتهم، فلمَّا رجعوا من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم مُكسَّرةً وقالوا (٤) لإبراهيم: ﴿أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٢] قال: (﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]) وهذا الإضراب عن جملةٍ محذوفةٍ، أي: لم أفعله، إنَّما الفاعل حقيقةً هو (٥) الله، وإسناد الفعل إلى كبيرهم من أبلغ التَّعاريض (٦)، وذلك أنَّهم لمَّا طلبوا منه الاعتراف ليقدموا على إيذائه قلبَ الأمر عليهم، وقال: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ لأنَّه (٧) غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفَّةً، وكان غيظه من كبيرها أشدَّ لِمَا رأى من زيادة تعظيمهم له، فأسند الفعل إليه، لأنَّه هو السَّبب في استهانته لها، والفعل كما يُسنَد إلى مباشره يُسنَد إلى الحامل عليه، أو أنَّ إبراهيم قصد تقرير الفعل لنفسه على أسلوبٍ تعريضيٍّ، وليس قصده نسبة الفعل إلى الصَّنم، وهذا كما لو قال لك من لا يحسن الخطَّ فيما كتبته: أنت (٨) كتبت


(١) في (ص) و (ل): «تعريضًا».
(٢) في (د): «عينيه».
(٣) في غير (د) و (م): «فيحاجَّهم».
(٤) في (د) و (م): «مكسَّرةً قالوا».
(٥) «هو»: ليس في (د).
(٦) في (ب) و (س): «المعاريض».
(٧) زيد في (م): «لمَّا».
(٨) في (س) و (ص): «أأنت».

<<  <  ج: ص:  >  >>