للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بين كلِّ والدةٍ وولدها، فحنَّ بعضها إلى بعضٍ، وعلت الأصوات والعجيج، وأخلصوا التَّوبة وأظهروا الإيمان، وتضرَّعوا إلى الله فرحمهم وكشف عنهم، وأمَّا يونس فإنَّه لم يعرف الحال، فظنَّ أنَّه كَذَبَهُم، فغضب من ذلك وذهب فركب مع قومٍ في سفينةٍ، فوقفت فقال لهم يونس: إنَّ معكم عبدًا أبقَ من ربِّه، وإنَّها لا تسير حتَّى تُلقوه فاقترعوا، فخرجت القرعة عليه فقال: إنِّي (١) أنا الآبق، وزجَّ بنفسه في الماء، فأرسل الله ﷿ من البحر الأخضر حوتًا، فشقَّ (٢) البحار حتَّى جاء فالتقمه، وأوحى الله تعالى إلى ذلك الحوت: لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا، فإنَّه ليس لك رزقًا، وإنَّما بطنك له سجنٌ، فنادى في الظُّلمات -ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللَّيل- ﴿أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] وقال (٣) عوفٌ الأعرابيُّ: لمَّا صار يونس في بطن الحوت ظنَّ أنَّه قد مات، فحرَّك رجليه فتحرَّكتا، فسجد مكانه، فلمَّا انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا (٤)، فقال: ما هذا؟ فأوحى الله إليه: هذا تسبيح دوابِّ البحر، فسبَّح، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربَّنا إنَّا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرضٍ غريبةٍ. قال: ذاك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت، فشفعوا له (٥)، فأمر الله الحوت (٦) فقذفه في السَّاحل، وهو كهيئة الفرخ الممعوط الَّذي ليس عليه ريشٌ. قال أبو هريرة: وهيَّأ (٧) الله له أُرويَّةً وحشيَّةً تأكلُ من خَشَاش الأرض، فتتفشَّخُ عليه فترويه من لبنها بكرةً وعشيَّةً، وأنبت الله عليه شجرةً من يقطينٍ مظلَّةً عليه، قيل: إنَّها يبست وبكى عليها، فأوحى الله تعالى إليه: أتبكي على شجرةٍ ولا تبكي على مئة ألفٍ أو يزيدون أردت أن تُهلكهم.


(١) «إنِّي»: مثبتٌ من (م).
(٢) في (د): «يشقُّ».
(٣) زيد في (د) و (م): «ابن» وليس بصحيحٍ.
(٤) في (د) و (م): «حنينًا».
(٥) في (س): «فيه».
(٦) في (م): «فأذن الله للحوت».
(٧) في (د): «ووهب».

<<  <  ج: ص:  >  >>