للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ) فقالوا: أَخْبِرْنا عنهم يا رسول الله؛ فقال: (أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى) بقصر الهمزة، أي: لجأ (إِلَى اللهِ) تعالى، أوِ انضمَّ إلى مجلس الرَّسول (فَآوَاهُ الله) إليه؛ بالمدِّ، أي: جازاه بنظير فعله بأن ضمَّه إلى رحمته ورضوانه، أو يؤويه يوم القيامة إلى ظلِّ عرشه، فنسبة الإيواء إلى الله تعالى مجازٌ لاستحالته في حقِّه تعالى، فالمُرَاد لازِمه (١)؛ وهو إرادة إيصال الخير، ويُسمَّى هذا المجازُ مجازَ المُشاكَلَة والمُقابَلَة (وَأَمَّا الآخَرُ) بفتح الخاء (فَاسْتَحْيَا) أي: ترك المُزاحَمَة حياءً من الرَّسول ومن أصحابه، وعند الحاكم: «ومضى الثَّاني قليلًا، ثمَّ جاء، فجلس» قال في «الفتح»: فالمعنى أنَّه استحيا من الذَّهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثَّالث (فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ) بأن رَحِمَه ولم يعاقبه، فجازاه بمثل ما فعل، وهذا أيضًا من قبيل المُشاكَلَة؛ لأنَّ الحياء تغيُّرٌ وانكسارٌ يعتري الإنسان من خوف ما يُذَمُّ به، وهذا مُحال على الله تعالى، فيكون مَجازًا عن ترك العقاب، وحينئذٍ فهو من قَبِيل ذكر الملزوم وإرادة اللَّازم (وَأَمَّا الآخَرُ) وهو الثالث (فَأَعْرَضَ) عن مجلس رسول الله ولم يلتفت إليه، بل ولَّى مُدْبِرًا (فَأَعْرَضَ اللهُ) تعالى (عَنْهُ) أي: جازاه بأنْ سخط عليه، وهذا أيضًا من باب (٢) المُشاكَلَة؛ لأنَّ الإعراض هو الالتفات إلى جهةٍ أخرى، وذلك لا يليق بالباري تعالى، فيكون مجازًا عن السُّخط والغضب، ويحتمل أنَّ هذا كان منافقًا، فَأَطْلَعَ اللهُ النَّبيَّ على أمره (٣).

ورواة هذا الحديث مدنيُّون، وفيه: التَّحديث بالجمع والإفراد، والعنعنة والإخبار، وتابعيّ عن مثله، وأخرجه المؤلِّف في «الصَّلاة» [خ¦٤٧٤]، ومسلمٌ والتِّرمذيُّ في «الاستئذان»، والنَّسائيُّ في «العلم».


(١) في غير (ب) و (س): «لوازمها».
(٢) في (ب) و (س): «قبيل».
(٣) قوله: «ويحتمل أنَّ هذا كان منافقًا، فَأَطْلَعَ اللهُ النَّبيَّ على أمره» سقط من (ص) و (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>