للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقوله: (﴿إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾) بالذَّات لا تعدُّد فيه بوجهٍ ما، ثمَّ نزَّه نفسه عن الولد بقوله: (﴿سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾) وتقديره: من أن يكون، أي: نزِّهوه من أن يكون له ولدٌ، فإنَّه يكون لمن يعادله مِثْلٌ ويتطرَّق إليه فناءٌ (﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ﴾) مُلْكًا وخَلْقًا، وعيسى ومريم في جملة ذلك (﴿وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾) كافيًا (١) في تدبير (٢) المخلوقات وحفظ المُحْدَثات، لا يحتاج معه إلى إلهٍ آخر يعينه مستغنيًا عمَّن يخلفه من ولدٍ أو غيره، وسقط قوله: «﴿وَلَا تَقُولُواْ﴾ … » إلى آخره لأبي ذرٍّ، وقال بعد قوله: «﴿فِي دِينِكُمْ﴾ إلى ﴿وَكِيلاً﴾».

(قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ) القاسم بن سلامٍ: (﴿وَكَلِمَتُهُ﴾) في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ﴾ [النساء: ١٧١] هي قوله جلَّ وعلا: (﴿كُن﴾ فَكَانَ) من غير واسطة أبٍ ولا نطفةٍ.

(وَقَالَ غَيْرُهُ) غير أبي عُبيدٍ القاسم: (﴿وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ [النساء: ١٧١]) أي: (أَحْيَاهُ فَجَعَلَهُ رُوحًا) وهذا قول أبي عبيدة معمر بن المثنَّى، وسبق قريبًا غيره.

(﴿وَلَا تَقُولُواْ ثَلَاثَةٌ﴾ [النساء: ١٧١]) أي: آلهةٌ ثلاثةٌ -الله والمسيح ومريم- ويشهد له قوله تعالى: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] أو أنَّهم يقولون: إنَّ الله جوهرٌ واحدٌ وله ثلاثة أقانيم، فيجعلون كلَّ أقنومٍ إلهًا، ويعنون بالأقانيم: الوجود والحياة والعلم، وربَّما يعنون بالأقانيم: الأب والابن وروح القدس، ويريدون بالأب: الوجود، وبالرُّوح: الحياة، وبالمسيح (٣): العلم، أو الأب: الذَّات، والابن: العلم، والرُّوح: الحياة، في كلامٍ لهم فيه تخبيطٌ، ومُحصَّله يؤول إلى التَّمسُّك بأنَّ عيسى إلهٌ بما كان يُجري الله تعالى على يديه من الخوارق، وقالوا: قد علمنا خروج هذه الأمور عن مقدور (٤) البشر، فينبغي أن يكون المقتدر عليها موصوفًا بالإلهيَّة، فيُقال لهم: لو كان ذلك من مقدوراته وكان مستقلًّا به كان تخليصه من أعدائه من مقدوراته، وليس كذلك، فإن اعترفوا بذلك سقط استدلالهم، وإن لم يسلِّموا فلا حجَّة لهم أيضًا؛ لأنَّهم معارضون بخوارق العادات الجارية على أيدي غيره من الأنبياء؛ كفلق البحر، وقلب العصا حيَّةً لموسى.


(١) في غير (ب) و (س): «كافٍ».
(٢) في (ص): «تدبيره».
(٣) في (د) و (م): «وبالابن».
(٤) في (ص) و (ل): «أمور».

<<  <  ج: ص:  >  >>