«إلى القفا»(١) وهو مقصورٌ يُذكَّر ويُؤنَّث (ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ) بضمِّ الهمزة وكسر الفاء آخره معجَمةٌ، أي: أُمْضِي (كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ) ولأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر: «رسول الله»(ﷺ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا) بضمِّ المُثنَّاة الفوقيَّة وكسر الجيم وبعد التَّحتيَّة زايٌ، الصَّمْصَامَة (عَلَيَّ) أي: على قفايَ؛ والمعنى: قبل أن تقطعوا رأسي (لأَنْفَذْتُهَا) بفتح الهمزة والفاء وتسكين الذَّال المُعجَمَة، وإنَّما فعل أبو ذرٍّ هذا حرصًا على تعليم العلم طلبًا للثَّواب، وهو يَعْظُم مع حصول المشقَّة، واستُشكِل الإتيانُ هنا بـ «لو» لأنَّها لامتناع الثَّاني لامتناع الأوَّل، وحينئذٍ فيكون المعنى انتفاء الإنفاذ لانتفاء الوضع، وليس المعنى عليه، وأُجِيب بأنَّ «لو» هنا لِمُجرَّد الشَّرط كـ (إن) من غير أن يُلاحَظ الامتناع، أو المُرَاد أنَّ الإنفاذ حاصلٌ على تقدير الوضع، فعلى تقدير عدم الوضع حصولُه أَوْلى؛ فهو مثل قوله ﵇:«نِعْمَ العبدُ صهيبٌ، لو لم يَخَفِ الله لم يَعْصِه»، ولأبي الوقت هنا زيادةٌ؛ وهي قول النَّبيِّ ﷺ:«ليُبَلِّغِ الشَّاهدُ الغائبَ» وتقدَّم قريبًا [خ¦٦٧].
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ)﵄ فيما وصله ابن أبي عاصمٍ والخطيب بإسنادٍ حسنٍ: (﴿كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩]) أي (حُلَمَاءَ) جمع حليمٍ باللَّام (فُقَهَاءَ) جمع فقيهٍ، وفي روايةٍ:«حكماء» -بالكاف- جمع حكيمٍ «علماء» جمع عالِمٍ، وهذا تفسير ابن عبَّاسٍ، وقال البيضاويُّ: و «الرَّبانيُّ»: المنسوب إلى الرَّبِّ؛ بزيادة الألف والنُّون، كاللِّحيانيِّ والرَّقَبانيِّ؛ وهو الكامل في العلم والعمل، وقال البخاريُّ حكايةً عن قول بعضهم:(وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ) أي: بجزئيَّات العلم قبل كليَّاته، أو بفروعه قبل أصوله، أو بوسائله قبل مقاصده، أو ما وَضُحَ من مسائله قبل ما دقَّ منها، ولم يذكر المؤلِّف حديثًا موصولًا، ولعلَّه اكتفى بما ذكره، أو غير ذلك من الاحتمالات، والله أعلم.