للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخرُ منهم، أو من القرن الذي يليهم، أو ممَّن أتى بعدهم فيستنبط منه مسائلَ كثيرةً، و ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء﴾ [الجمعة: ٤] وقال الطِّيبيُّ: الواو في قوله: «وإنَّما أنا قاسمٌ» للحال من فاعل «يُفَقِّهْهُ»، أو من مفعوله، فعلى الثَّاني فالمعنى: أنَّ الله تعالى يعطي كلًّا ممَّن أراد أن يفقِّهَه استعدادًا لدَرَْك المعاني على ما قدَّره له، ثمَّ يلهمني بإلقاء ما هو لائقٌ باستعداد كلِّ واحدٍ، وعلى الأوَّل فالمعنى: أنِّي أُلْقي على ما يسنح لي وأسوِّي فيه، ولا أرجِّح بعضهم على بعضٍ، والله يوفِّق كلًّا منهم على ما أراد وشاء من العطاء. انتهى. وقال غيره: المراد القَسْم الماليُّ، لكنَّ سياقَ الكلام يدلُّ على الأول؛ إذ إنَّه أخبر أنَّ من أراد به خيرًا فقَّهه (١) في الدِّين، وظاهره يدلُّ على الثَّاني؛ لأنَّ القسمة حقيقيَّةٌ في الأموال. نعم؛ يتوجَّه السُّؤال عن وجه المُناسَبَة بين اللَّاحق والسَّابق، وقد يُجَاب بأنَّ مورد الحديث كان عند قِسمة مالٍ، وخصَّص بعضهم (٢) بزيادةٍ لمُقْتَضٍ اقتضاه، فتعرَّض بعضُ من خَفِيَ عليه الحكمة، فردَّ عليه بقوله: «من يُرِدِ الله به خيرًا … » إلى آخره، أي: من أراد الله به الخير يزيد له في فهمه في أمور الشَّرع فلا يتعرَّض لأمرٍ ليس على وفق خاطره؛ إذِ (٣) الأمر كلُّه لله، وهو الذي يعطي ويمنع، ويزيد وينقص، والنَّبيُّ قائمٌ (٤) بأمر الله، ليس بمعطٍ حتَّى تُنْسَب إليه الزِّيادةُ والنُّقصان، واستُشكِل: الحصر بـ «إنَّما» مع أنَّه له صفاتٌ أخرى سوى «قاسم»، وأُجِيب: بأنَّ هذا ورد ردًّا على من اعتقد أنَّه يعطي ويقسم، فلا ينفي إلَّا ما اعتقده السَّامع، لا كلَّ صفةٍ من الصِّفات، وفيه حذف المفعول (وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً) بالنَّصب خبر «تزال» (عَلَى أَمْرِ اللهِ) على الدِّين الحقِّ (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ) أي: الذي (خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ) و «حتَّى» غايةٌ لقوله: «لن تزالَ»، واسْتُشكِل بأنَّ ما بعد الغاية مخالفٌ لِمَا قبلها إذ يلزم منه ألَّا تكون هذه الأمَّة يوم القيامة على الحقِّ، وأُجِيب بأنَّ المرادَ من قوله: «أمر الله» التَّكاليف، وهي معدومةٌ فيها، أوِ المُرَاد بالغاية هنا تأكيد التَّأبيد؛ على حدِّ قوله تعالى: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [هود: ١٠٨] أو هي غايةٌ لقوله:


(١) في (ب) و (س): «يفقهه».
(٢) «بعضهم»: سقط من (ص).
(٣) في (ص): «لأنَّ».
(٤) في (ب) و (س): «قاسم».

<<  <  ج: ص:  >  >>