للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف: ٧٧] وقال التُّورِبشتيُّ: إنَّما طعن من طعن في إمارتهما، لأنهما كانا من الموالي، وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتِّباعهم كلَّ الاستنكاف، فلمَّا جاء الله ﷿ بالإسلام، ورفع (١) قدر من لم يكن له عندهم قدرٌ بالسَّابقة والهجرة والعلم والتُّقى؛ عَرَف حقَّهم المحفوظون من أهل الدِّين، فأمَّا المُرتَهنون بالعادة والمُمتَحنون بحبِّ الرِّياسة من الأعراب ورؤساء القبائل؛ فلم يزل يختلج في صدورهم شيءٌ من ذلك، لا سيَّما أهل النِّفاق فإنَّهم كانوا يسارعون إلى الطَّعن وشدَّة النَّكير عليه، وكان قد بعث زيدًا أميرًا على عدَّة سرايا، وأعظمها جيش مؤتة، وسار تحت رايته فيها نجباءُ الصَّحابة، وكان خليقًا بذلك؛ لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله ، ثمَّ أَمَّرَ أسامة في مرضه على جيشٍ فيهم جماعةٌ من مشيخة الصَّحابة وفضلائهم، وكأنَّه رأى في ذلك سوى ما توسَّم (٢) فيه من النَّجابة؛ أن يمهِّد الأرض ويوطئه لمن يلي الأمر بعده؛ لئلَّا ينزع أحدٌ يدًا من طاعةٍ، وليعلم كلٌّ منهم أنَّ العادات الجاهليَّة قد عُمِّيت مسالكها وخفيت معالمها.

(وَايْمُ اللهِ؛ إِنْ كَانَ) زيدٌ (لَخَلِيقًا) بالخاء المعجمة المفتوحة والقاف، أي: واللهِ إنَّ الشَّأن، وفي «أصل ابن مالكٍ»: «وايم الله؛ لقد كان خليقًا» (لِلإِمَارَةِ) أي: حقيقًا بها (وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ) سقطت لام «لمن» من «أصل ابن مالكٍ»، وقال: استعمل «إنْ» المُخفَّفة المتروكة العمل عاريًا ما (٣) بعدها من اللَّام الفارقة؛ لعدم الحاجة إليها، وذلك لأنَّه إذا خُفِّفت «إنَّ» صار لفظها كلفظ «إن» النَّافية، فيُخاف التباس الإثبات بالنَّفي عند ترك العمل، فالتزموا اللَّام المؤكِّدة مميِّزةً لها، ولا يثبت ذلك إلَّا في موضعٍ صالحٍ للإثبات والنَّفي؛ نحو: إن علمتك لفاضلًا، فاللَّام هنا لازمةٌ إذ لو حُذِفت مع كون العمل متروكًا وصلاحية الموضع للنَّفي لم يُتَيقَّن الإثبات، فلولم يصلح الموضع للنَّفي جاز ثبوت اللَّام وحذفها (وَإِنَّ هَذَا) أسامة بن زيدٍ (لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ) أي: بعد أبيه زيدٍ.

وفي الحديث جوازُ إمارة المولى، وتولية الصَّغير على الكبير، والمفضول على الفاضل. والحديث من أفراده.


(١) زيد في (م): اسم الجلالة.
(٢) في (م): «توهَّم»، وهو تحريفٌ.
(٣) «ما»: ليس في (ص)، وفي (م): «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>