للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

علفتها تبنًا وماءً باردًا

أو سمَّى المدينة بالإيمان؛ لأنَّها مظهره (﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾) من قبل هجرة المهاجرين؛ وهم الأنصار (﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾) ولا يثقل عليهم (﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ﴾) من أنفسهم (﴿حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا﴾) ممَّا أُعطِي المهاجرون من الفيء وغيره وبقيَّة الأوصاف ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: ٩] قال في «فتوح الغيب»: وحاصل الوجوه الأربعة يعود إلى أنَّ عطف «الإيمان» على «الدار» إمَّا (١) من باب التَّقدير، أو من باب الانسحاب، والإيمان إمَّا مُجرًى على حقيقته، أو استعارة؛ ففي الوجه الأوَّل الإيمان حقيقةٌ والعطف من باب التَّقدير، لكن يُقدَّر بحسب ما يناسبه، وكذلك في الوجه الثَّالث العطف فيه للتَّقدير لكن بحسب السَّابق، وفي الثَّاني والرَّابع العطف على الانسحاب، والإيمان على الوجه الثَّاني استعارةٌ مكنيَّةٌ، وعلى الثَّالث مجازٌ أُضِيف بأدنى ملابسةٍ، وعلى الرَّابع استعارةٌ مصرِّحةٌ تحقيقيَّةٌ، فشبَّه في الوجه الأوَّل الإيمان من حيث إنَّ المؤمنين من الأنصار تمكَّنوا فيه تمكُّن المالك المتسلِّط في مكانه ومستقرِّه بمدينةٍ من المدائن الحصينة بتوابعها ومرافقها، ثمَّ خَيَّل أنَّ الإيمان مدينةٌ بعينها تخييلًا محضًا، فأطلق على المُتخيَّل باسم الإيمان المُشبَّه، وجُعِلت القرينة نسبة التَّبوُّء اللَّازم للمُشبَّه به على سبيل الاستعارة التَّخييليَّة؛ لتكون مانعةً لإرادة الحقيقة، وعلى الرَّابع شُبِّهت طيبة -لكونها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان- بالتَّصديق (٢) الصَّادر من المخلص المُحلَّى بالعمل الصَّالح، ثمَّ أطلق الإيمان على مدينته بوساطة نسبة التَّبوُّء إليه، وهي استعارةٌ مصرِّحةٌ تحقيقيَّةٌ، لأنَّ المُشبَّه المتروك -وهو المدينة- حسِّيٌّ، والجامع النَّجاةُ من مخاوف الدَّارين، ففي الأوَّل: المبالغة والمدح يعود إلى سكَّان المدينة أصالةً، وفي الثَّاني: بالعكس، والأوَّل أدعى لاقتضاء المقام؛ لأنَّ الكلام واردٌ في مدح الأنصار الذين بذلوا مهجهم وأموالهم في نصرة الله ونصرة رسوله ، وهم الذين آووه ونصروه، وسقط لأبي ذرٍّ قوله «﴿يُحِبُّونَ … ﴾» إلى آخره، وقال بعد قوله: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ «الآية» (٣).


(١) «إمَّا»: ليس في (م).
(٢) في (م): «بالصِّدق».
(٣) «الآية»: سقط من غير (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>