للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يا رَسُولِ اللهِ) كذا في الفَرْع، والَّذي في أصله «أنَّه قال لرسولِ اللهِ » (أَرَأَيْتَ) أي: أخبرني (إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ) بالذال المعجمة، أي: التجأَ واحتضَنَ (مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ) أي: دخلتُ في الإسلام، وفي رواية مَعْمَرٍ عن الزُّهريِّ -في هذا الحديثِ- عند مسلم: أنَّه قال: «لا إله إلا الله» (أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ) بهمزة الاستفهامِ والمدِّ (بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟) أي: كلمة: أسلمتُ لله.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : لَا تَقْتُلْهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ) لأنَّه صار مسلمًا معصومَ الدَّم، قد جبَّ الإسلامُ ما كان منه من قطعِ يدك (وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ) أسلمتُ لله (الَّتِي قَالـ) ها، أي: إنَّ دمك صارَ مباحًا بالقصاصِ، كما أنَّ دمَ الكافرِ مباحٌ بحقِّ الدين، فوجهُ الشَّبه إباحةُ الدَّم، وإن كان الموجِبُ مختلفًا، أو: أنَّك تكون آثمًا كما كان هو آثمًا في حال كُفْره، فيجمعكُمَا اسمُ الإثم، وإن كان سببُ الإثمِ مختلفًا، أو المعنى: إن قتلتَهُ مستحلًّا.

وتُعُقِّبَ: بأنَّ استحلالهُ للقتلِ إنَّما هو بتأويل (١) كونهِ أسلمَ خوفًا من القتلِ، ومن ثَمَّ لم يُوجب النَّبيُّ قَوَدًا ولا دِيَة، وإنَّما ذلك -والله أعلم- حيثُ كان عن اجتهادٍ ساعدَهُ المعنى، وبيَّن أنَّ مَن قالها فقد عصَمَ دمَهُ ومالَهُ، وقال: «هلَّا شققْتَ عن قلبِهِ» إشارة إلى نكتةِ الجواب، والمعنى -والله أعلم-: أنَّ هذا الظَّاهر مُضْمحلٌّ بالنسبةِ إلى القلبِ؛ لأنَّه لا يطَّلع على ما فيه إلَّا الله، ولعلَّ هذا أسلم حقيقةً، وإن كان تحت السَّيف، ولا يمكنُ دفع هذا الاحتمالِ، فحيثُ وجدت الشَّهادتان حُكِم بمضمونهما بالنَّسبة إلى الظَّاهر، وأَمْرُ الباطنِ إلى الله تعالى، فالإقدامُ على قتلِ المتلفِّظ بهما مع احتمال أنَّه صادقٌ فيما أخبرَ به عن ضميرِهِ فيه ارتكابُ ما لعلَّه يكون ظلمًا له، فالكفُّ عن القتلِ أولى.

والشَّارع ليس له غرضٌ في إزهاقِ الرُّوح بل في الهدايةِ والإرشادِ، فإن تعذَّرت بكل سبيلٍ تعيَّن إزهاقُ الرُّوح (٢) لزوالِ مفسدَةِ الكُفْر من الوجودِ، ومع التَّلفظ بكلمةِ الحقِّ لم تتعذرِ الهدايةُ، حصلَتْ أو تحصل في المستقبلِ، فمادةُ الفسادِ النَّاشئ عن كلمةِ الكفرِ قد زالتْ بانقيادهِ


(١) في (م): «تأول».
(٢) قوله: «بل في الهدايةِ والإرشادِ، فإن تعذَّرت بكل سبيلٍ؛ تعيَّن إزهاقُ الرُّوح»: ليس في (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>