للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَحْزَنُوا﴾) على ما فاتَكُم منَ الغنيمةِ، أو على مَن قُتِل منكم أو جُرِح، وهو تسليةٌ من الله تعالى لرسولهِ وللمؤمنينَ عمَّا أصابَهُم يومَ أُحُد وتقوية لقلوبِهم (﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾) وحالكم أنَّكم أعلى منهم وأغلَب؛ لأنَّكم أصبتُم منهم يومَ بدرٍ أكثرَ ممَّا أصابُوا منكم يوم أُحُد، وأنتُم الأعلونَ بالنَّصر والظَّفرِ في العاقبةِ، وهي بشارةٌ بالعلوِّ والغلبةِ، وأنَّ جندَنَا لهم الغالبونَ (﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾) جوابه محذوف، فقيل: تقديره: فلَا تهِنوا ولا تحزَنوا، وقيل: تقديرُه: إن كنتُم مؤمنين عَلمتُم أنَّ هذهِ الوقعةَ لا تَبقى على حالِها، وأنَّ الدولةَ تصيرُ للمؤمنين (﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾) بفتح القاف، والأخوان وأبو بكر بضمها، بمعنًى، فقيلَ: الجُرح نفسُه، وقيل: المصدرُ، أو المفتوح: الجرحُ، والمضموم: ألمهُ (﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾) للنَّحويِّين في مثلِ هذا تأويلٌ، وهو أن يقدِّروا شيئًا مستقبلًا؛ لأنَّه لا يكونُ التَّعليقُ إلا في المستقبلِ، وقولُه: ﴿فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ ماضٍ محقَّق، وذلك التَّأويل هو التَّبيينُ، أي: فقد تبيَّن مسُّ القرحِ للقومِ، وهذا خطابٌ للمسلمينَ حين انصرفُوا من أُحُد مع الكآبةِ، يقولُ: إن يمسسكُم ما نالُوا مِنكم يومَ أُحدٍ فقَد نلتُم منهم قبلَه يوم بدرٍ، ثمَّ لم يُضعِف ذلك قلوبَهم ولم يمنعهُم عن مُعاوَدَتِكُم إلى القتالِ، فأنتُم أولى أن لا تَضعفوا (﴿وَتِلْكَ﴾) مبتدأ (﴿الأيَّامُ﴾) صفة، والخبر: (﴿نُدَاوِلُهَا﴾) نصرِّفُها، أو ﴿الأيَّامُ﴾ خبر لـ ﴿تِلْكَ﴾، و ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ جملة حالية، العاملُ فيها معنى اسمِ الإشارةِ، أي: أُشير إليها حالَ كونِها مداولةً (﴿بَيْنَ النَّاسِ﴾) أي: أنَّ مسارَّ الأيامِ لا تدومُ وكذلكَ مضارّها، فيوم يكونُ السُّرور لإنسانٍ والغمُّ لعدوِّه، ويوم آخر بالعكسِ، وليس المرادُ من هذهِ المداولةِ أنَّ الله تارةً ينصرُ المؤمنينَ، وأخرى ينصرُ الكافرين؛ لأنَّ نصرَ الله تعالى منصبٌ شريفٌ لا يليقُ بالكافرين، بل المرادُ: أنَّه تارةً يشدِّد المحنةَ على الكافرِ (١)، وتارةً على المؤمنِ (٢)، فعلى المؤمنِ أدَبًا له في الدُّنيا، وعلى الكافرِ غضبًا عليه (﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾) أي: يداوِلها (٣) لضروبٍ من التَّدبيرِ، وليعلمَ اللهُ المؤمنين مميَّزين بالصَّبرِ والإيمانِ من غيرهِم، كما عَلِمَهُم قبلَ الوجودِ (﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء﴾) وليُكرِمَ ناسًا منكم بالشَّهادةِ؛ يريدُ: المستشهدين يومَ أُحدٍ، وسمُّوا بهِ؛ لأنَّهم أحياء وحضرتْ أرواحُهم دارَ


(١) في (م) و (د): «الكافرين».
(٢) في (م): «المؤمنين».
(٣) في (س) و (د): «نداولها».

<<  <  ج: ص:  >  >>