للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختُلِف في اللَّفظين، فقيل: هما مترادِفانِ، كندمان ونديمٍ، ورُدَّ بأنَّ إمكان المخالفة يمنع التَّرادف، ثمَّ على الاختلاف قيل: «الرَّحمن» أبلغ؛ لأنَّ زيادة البناء -هو الزِّيادة على الحروف الأصول- تُفيد الزِّيادة في المعنى؛ كما في قَطَع وقَطَّع، وكُبَار وكُبَّار، وبالاستعمال حيث يقال: رحمن الدُّنيا والآخرة، ورحيم الآخرة، وأسند ابن جريرٍ عن العرزميِّ (١) أنَّه قال: الرَّحمن: لجميع الخلق، والرَّحيم: بالمؤمنين، وقال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] وقال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣] فخصَّهم باسمه الرَّحيم، فدلَّ على أنَّ «الرَّحمن» أشدُّ مبالغةً في الرَّحمة؛ لعمومها في الدَّارين لجميع خلقه، و «الرَّحيم» خاصٌّ بالمؤمنين، وأجيب بأنَّه ورد في الدُّعاء المأثور (٢): «رحمن الدُّنيا والآخرة ورحيمهما» وأورد على ما ذُكِر من زيادة البناء «حَذِر وحَاذِر»، ذكره ابن أبي الرَّبيع وغيره، لكن قال البدر بن (٣) الدَّماميني: والنقض بـ «حَذِر وحَاذِر» يندفع بأنَّ هذا الحكم أكثريٌّ لا كلِّيٌّ، وبأنَّ ما ذكر لا ينافي أن يقع في البناء الأنقص زيادة معنًى بسببٍ آخر، كالإلحاق بالأمور الجبلِّيَّة؛ مثل: شَرِه ونَهِم، وبأنَّ ذلك فيما إذا كان اللفظان المتلاقيان في الاشتقاق متَّحِدَي النَّوع في المعنى، كـ «غَرِث وغَرْثَانَ» (٤)، لا كـ «حَذِر وحَاذِر» للاختلاف في المعنى، قال: وهنا فائدةٌ حسنةٌ، وهي أنَّ بعض المتأخِّرين كان يقول: إنَّ صفات الله تعالى التي هي على صيغة (٥) المبالغة: كغفَّارٍ ورحيمٍ وغفورٍ كلُّها مجازٌ؛ إذ هي موضوعةٌ للمبالغة، ولا مبالغة فيها؛ لأنَّ المبالغة هي أن يُنسَب للشيء أكثر ممَّا له، وصفات الله تعالى متناهيةٌ في الكمال لا يمكن المبالغة فيها، وأيضًا: فالمبالغة إنَّما تكون في صفاتٍ تقبل الزِّيادة والنَّقص، وصفات الله تعالى منزَّهةٌ عن ذلك. انتهى. وقول بعضهم: إنَّ «الرَّحيم» أشدُّ مبالغةً؛ لأنَّه أُكِّد به، والمؤكِّد يكون أقوى من المؤكَّد، أجيب عنه بأنَّه ليس من باب التَّأكيد، بل من باب النَّعت بعد النَّعت، وقول (٦): إنَّ «الرَّحمن» عَلَمٌ بالغلبة؛ لأنَّه جاء غير تابعٍ لموصوفٍ؛ كقوله: ﴿الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن: ١ - ٢] وشِبْهه، تُعقِّب بأنَّه لا يلزم من مجيئه غير تابعٍ ألَّا يكون نعتًا؛ لأنَّ


(١) في (د): «الصَّدفي» وهو تحريفٌ.
(٢) زيد في غير (د) و (س): «موقوفًا» وليس بصحيحٍ.
(٣) «بن»: ليس في (ب) و (م).
(٤) في غير (د): «كغوث وغوثان» ولعلَّه تحريفٌ.
(٥) في (م): «صفات».
(٦) في (د): «وقوله».

<<  <  ج: ص:  >  >>