للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعضه، ثمَّ جُعِلت عَلمًا للسُّورة المعيَّنة؛ لأنَّها أوَّلُ الكتابِ المُعْجِز، قاله بعضُهم، وسقط لفظ «باب» لأبي ذرٍّ (وَسُمِّيَتْ أُمَّ الكِتَابِ أَنَّهُ) بفتح الهمزة، أي: لأنَّه (يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي المَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ) هذا كلام أبي عبيدة في «المجاز»، وكره أنسٌ والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك، قال الأوَّلان: إنَّما ذلك اللوح المحفوظ، وأجيب بأنَّ في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله : «الحمد لله أمُّ القرآن وأمُّ الكتاب» صحَّحه التِّرمذيُّ، لكن قال السَّفاقسيُّ: هذا التَّعليل (١) مناسبٌ لتسميتها بـ «فاتحة الكتاب» لا بـ «أمِّ الكتاب» وقد ذكر بعض المحقِّقين أنَّ السَّبب في تسميتها «أمَّ الكتاب» اشتمالها على كلِّيَّات المعاني التي في القرآن؛ من الثَّناء على الله تعالى، وهو ظاهرٌ، ومن التَّعبُّد بالأمر والنَّهي، وهو في: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] لأنَّ معنى العبادة: قيام العبد بما تُعبِّد به وكُلِّفَه من امتثال الأوامر والنَّواهي، وفي: ﴿الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] أيضًا (٢)، ومن الوعد والوعيد وهو في: ﴿الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ وفي: ﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧] وفي: ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] أي: الجزاء أيضًا، وإنَّما كانت الثَّلاثةُ أصول مقاصد القرآن؛ لأنَّ الغرض الأصليَّ الإرشاد إلى المعارف الإلهيَّة وما به نظام المعاش ونجاة المعاد، والاعتراض بأنَّ كثيرًا من السُّور كذلك يندفع بعدم المساواة؛ لأنَّها فاتحة الكتاب وسابقة السُّور، وقد اقتصر مضمونها على كليَّات المعاني الثَّلاثة بالتَّرتيب على وجهٍ إجماليٍّ؛ لأنَّ أوَّلها ثناءٌ وأوسطها تعبُّدٌ وآخرها وعدٌ ووعيدٌ، ثمَّ يصير ذلك مفصَّلًا في سائر السُّور، فكانت منها بمنزلة مكَّة من سائر القرى، على ما رُوي من أنَّها مُهِّدت أرضها، ثمَّ دُحِيت الأرض من تحتها، فتتأهَّل (٣) أن تُسمَّى أمَّ القرآن؛ كما سُمِّيت مكَّة أمَّ القرى. انتهى. وما قاله المؤلِّف هو معنى قول (٤) البيضاويِّ: وتُسمَّى أمَّ القرآن؛ لأنَّها مُفتَتَحه ومبدؤه، أي: يُفتتح بها كتابة المصاحف (٥)، ويُبدأ بقراءتها في الصَّلاة، وقيل: لأنَّها تفتح أبواب الجنة، ولها أسماءٌ أُخَر لا نُطيل بها.


(١) قوله: «هذا التعليل» يعود على قول البخاري: «وسميت أم الكتاب أنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف» كما هو واضح في مصابيح الجامع (٨/ ١٤٩).
(٢) «أيضًا»: ليس في (س).
(٣) في (ب) و (د): «فتستأهل».
(٤) في (د): «ما قاله».
(٥) في (ب): «المصاحب» وهو تصحيفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>