للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للتَّقصِّي واحدًا فواحدًا، حتَّى يستغرق المسمِّيات كلَّها (فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا) بالرَّاء من الإراحة (مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ) لهم: (لَسْتُ هُنَاكُمْ) أي: لست في المكانة والمنزلة التي تحسبونني؛ يريد: مقام الشَّفاعة (وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ) وهو قربان الشَّجرة والأكل منها (فَيَسْتَحِي) بكسر الحاء، ولأبي ذرٍّ: «فيستحْيي» بسكونها وزيادة تحتيَّةٍ (ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ) بالإنذار وإهلاك قومه؛ لِأنَّ (١) آدم كانت رسالته بمنزلة التَّربية والإرشاد للأولاد، وليس المراد بقوله: «بعثه الله إلى أهل الأرض» عموم بعثته، فإنَّ ذا من خصوصيَّات نبيِّنا ، فإنَّ هذا إنَّما حصل له بالحادث الذي وقع؛ وهو انحصار الخلق في الموجودين (٢) بعد هلاك سائر النَّاس بالطُّوفان، فلم يكن ذلك في أصل بعثته، وأمَّا الاستدلال على عموم رسالته بدعائه على جميع من في الأرض، فأُهلكوا بالغرق إلَّا أهل السَّفينة؛ لأنَّه لو لم يكن مبعوثًا إليهم لَمَا أُهلكوا؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: ١٥] وقد ثبت أنَّه أوَّل الرُّسل؛ فأُجيب بجواز أن يكون غيره أُرسِل إليهم في أثناء مدَّة نوحٍ، وبأنَّهم (٣) لم يؤمنوا، فدعا على مَن لم يُؤمن مِن قومه وغيرهم (٤) فأُجيبَ، لكن لم يُنقل أنَّه نُبِّئ في زمن نوحٍ غيره فالله أعلم (فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ) لهم: (لَسْتُ هُنَاكُمْ) قال عياضٌ: كنايةٌ عن أنَّ منزلته دون هذه المنزلة تواضعًا، أو أنَّ كلًّا منهم يشير إلى أنَّها ليست له بل لغيره (وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ) المحكيَّ (٥) عنه في القرآن بقوله تعالى: ﴿رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ [هود: ٤٥] أي: وعدتني أن تنجِّي أهلي من الغرق، وسأل أن ينجِّيه من الغرق، وفي نسخةٍ: «لربِّه» (مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ) حالٌ من الضَّمير المضاف إليه في سؤاله (٦)، أي: صادرًا عنه بغير علمٍ، أو من المضاف، أي: متلبِّسًا بغير علمٍ، و «ربَّه» مفعول «سؤالَه» وكان يجب عليه ألَّا يسأل، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] أي: ما شعرتَ مَنِ المرادُ بالأهل -وهو من آمن وعمل صالحًا- وأنَّ ابنك عمل غير صالح (فَيَسْتَحْيِي) ولغير أبي ذرٍّ بياءٍ


(١) في (د): «فإنَّ».
(٢) زيد في (د): «من».
(٣) في (د): «وأنَّهم».
(٤) «وغيرهم»: سقط من (د) و (م).
(٥) في (د): «المكنيَّ».
(٦) قال الشيخ قطة : تأمل هذا الإعراب فإنه على ما يظهر بعيد عن الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>